Afterheaderads-desktop

Afterheaderads-desktop

Afterheader-mobile

Afterheader-mobile

تفويت عقارات القنيطرة بأثمان زهيدة: تساؤلات حول المسؤولية السياسية والإدارية في تدبير المال العام

في خطوة أثارت جدلًا واسعًا في الأوساط المحلية بمدينة القنيطرة، أقدمت رئيسة الجماعة على تفويت عقارات جماعية بثمن يقل كثيرًا عن قيمتها السوقية، ما طرح تساؤلات جوهرية حول مدى احترام مبادئ الحكامة الجيدة في تدبير المال العام. فالقرارات المتعلقة بالأملاك الجماعية ليست مجرد عمليات إدارية، بل هي اختبارات حقيقية لنزاهة التدبير العمومي وشفافيته، خاصة عندما تكون الفوارق بين السعر المعتمد والسعر السوقي شاسعة إلى حد يصعب تبريره إلا بأسباب واضحة وقانونية.

المجلس الجماعي السابق فوت قطعة أرضية مساحتها 3495 مترًا مربعًا بسعر 12.150 درهمًا للمتر، وهو مبلغ يبدو معقولًا بالنظر إلى واقع السوق، لكن المجلس الحالي، بقيادة الرئيسة الجديدة، فوت قطعة أكبر مساحتها 5249 مترًا مربعًا بسعر لا يتجاوز 400 درهم للمتر الواحد. هذه الفجوة الكبيرة بين العمليتين تفتح الباب أمام الكثير من التساؤلات حول معايير تقييم العقارات الجماعية، ومدى احترام قواعد الشفافية في اتخاذ القرارات المتعلقة بالتفويت. فإذا لم تكن هناك معطيات موضوعية تبرر هذا الفارق، فإن الأمر قد يتجاوز كونه سوء تدبير ليصل إلى شبهة التلاعب وإهدار المال العام.

الأمر يزداد تعقيدًا عند النظر إلى بعض الحالات الخاصة، مثل تفويت قطعة أرضية بسوق الحرية مساحتها 684 مترًا مربعًا بنفس السعر الزهيد (400 درهم للمتر)، رغم أن تقديرات الخبراء في المجال العقاري تشير إلى أن سعر المتر في تلك المنطقة لا يقل عن 9000 درهم. الفارق هنا ليس مجرد خطأ تقديري، بل هو فجوة مالية هائلة تكبد الجماعة خسائر ضخمة، خاصة إذا علمنا أن المؤسسة المستفيدة من هذا التفويت هي نفسها دائنة للجماعة بمبالغ مالية كبيرة. كان من المنطقي، من باب الحكامة الرشيدة، أن يتم تسوية جزء من هذه الديون عبر الرفع من قيمة التفويت بدل بيع العقار بثمن متدنٍ يضر بمصالح الجماعة.

القانون المنظم للجماعات يضع شروطًا واضحة لأي عملية تفويت، إذ تنص المادة 33 على أن السعر لا يجب أن يكون أقل من الثمن الافتتاحي للمزايدة إلا في حالات استثنائية مبررة. وإذا كانت الرئيسة قد وافقت على هذا السعر دون مبررات قانونية واضحة، فإنها تتحمل مسؤولية مباشرة في ضياع أصول الجماعة، وهو ما قد يعرضها للمساءلة الإدارية والقانونية، خاصة إذا ثبت أن القرار لم يحترم المساطر المطلوبة أو أنه اتخذ في غياب الشفافية اللازمة.

لكن الأثر الحقيقي لمثل هذه القرارات لا يقتصر على الجوانب القانونية، بل يمتد إلى ما هو سياسي واقتصادي. فحين يتم التخلي عن أملاك الجماعة بأسعار بخسة، فإن ذلك يحرمها من موارد مالية كان يمكن توظيفها في مشاريع تنموية لصالح الساكنة. كما أن هذه القرارات تعزز الشكوك في قدرة المؤسسات المنتخبة على تدبير المال العام وفق معايير النزاهة والمسؤولية، وتضعف ثقة المواطنين في أن ممثليهم يسعون فعلًا لتحقيق المصلحة العامة وليس خدمة أجندات خفية أو شبكات مصالح ضيقة.

أمام هذه المعطيات، يبرز سؤال جوهري: لماذا قبلت الرئيسة بهذا السعر؟ هل هناك تقرير رسمي يبرر هذا التقييم؟ وهل تم فتح الباب أمام عروض أخرى قبل اللجوء إلى التفويت بالتراضي؟ غياب الأجوبة الواضحة على هذه الأسئلة يعزز الشكوك حول مدى احترام القوانين المنظمة لهذا النوع من العمليات المالية. الأخطر من ذلك، أن مثل هذه القرارات لا يمكن تصحيحها بسهولة بعد التنفيذ، فبمجرد إتمام التفويت، يصبح من المستحيل استرجاع العقار، ما يعني أن الجماعة تكون قد خسرت فعليًا جزءًا من ممتلكاتها دون أي مقابل عادل.

في ظل هذا الوضع، من الضروري أن تتحمل السلطات الوصية، وعلى رأسها عامل إقليم القنيطرة عبدالحميد المزيد، المسؤولية في مراقبة مدى احترام القوانين والمساطر، وضمان أن أي عملية تفويت تتم وفق معايير الحكامة الجيدة. فالمال العام ليس ملكًا شخصيًا للمسؤولين المنتخبين، بل هو أمانة يجب تدبيرها بصرامة وشفافية خدمةً للصالح العام. وإذا لم تكن هناك تبريرات واضحة لهذه العملية، فإنها لن تبقى مجرد قرار إداري، بل قد تتحول إلى قضية محاسبة حقيقية تستوجب فتح تحقيق معمق للكشف عن حيثياتها وضمان عدم تكرار مثل هذه الممارسات مستقبلاً.


شاهد أيضا
تعليقات
تعليقات الزوار
Loading...