ويستمر العبث

إن المرتكز الأول الذي قام عليه الإنقلاب الصحي هو أن يجعلنا بلا فائدة؛ فبعد أن حاصر المستشفيات بعدم تمكينها من التجهيزات والأدوات والمستلزمات وأيضا بعدم توظيف الأطر التي يحتاجها المشافي من أجل استمرارية العمل ناهيك عن دفع أطر آخرين للمغادرة؛ قام مهندسو الإنقلاب بتهريب المريض للقطاع الخاص وهذه هي الضربة التي ستسرح كل موظفي الصحة.
عمل المستشفيات العمومية سيبدأ في التراجع يوما بعد يوم بسبب شح المرضى.
مرحلة المجموعات الصحية هي مرحلة التخسيس بامتياز بحيث أن الهدف الرئيسي منها هو دفع أطر الصحة للمغادرة بسبب التضييق المرتقب ولعل افصاحهم قبل مدة عن أنهم كانوا يعتزمون فرض العمل بنظام التجوال لخير دليل على ما نقول؛ اول المنسحبين سيكونون الأطباء الإختصاصيين خارج المدن الكبرى.
نقطة أخرى؛ أهم جريمة يعتزمون القيام بها بعد تفعيل المجموعات الصحية هي مذبحة الرواتب وهنا سينسحب الكثير من الأطباء وسيضيق الخناق على باقي الفئات وعلى من بقي من الأطباء ( كلمتا الأجر الثابت والمتغير تعني انه سيتم سلخك)؛ الكثير منا اليوم يقول في نفسه؛ بيني وبينهم الراتب؛ أي مساس به يعني الإنسحاب.
للأسف؛ تعويضات المؤشر 509 كانت خطوة إبليسية أثارت النعرات كي يتم تمرير كل هذا بأريحية وإهدار وقت ثمين في هذه المعركة…. الأطباء أخذوا التعويضات قبل الطرد المحتوم كنوع من الترضية ( سيخرجون مطرودين لكن بعد جبر خواطرهم بتعويضات 509 لبضعة أشهر ).
للأسف؛ اليوم ندفع ثمن الغباء والتواكل.
لو كنا نملك نقابات صحية حقيقية لكانت المعركة اليوم معركة استعادة الوظيفة العمومية والنظام الأساسي لأنها النقطة الأخطر و بعد تحقيق هذه الغاية يكون استمرار كل الفئات في نضالاتها من أجل تحقيق أهداف ملفاتها المطلبية.
النقابات ليست غبية لكنها خائنة وعميلة وتدلس على عموم الموظفين.
بعد الموظفين سينتقلون لكل شيء له طابع عمومي في قطاع الصحة كي يجهزوا عليه ؛ المعاهد؛ الكليات؛أساتذة الطب؛ طلبة الطب ؛ طلبة التمريض ؛ أساتذة التمريض؛ المستخدمون؛ الممركزون؛ المتفرغون؛… الكل سيتأذى في مرحلة لاحقة؛ ثم سيذهبوا للقطاع الخاص كي يبتلعوه ويشكلوه على هواهم؛ الرأسمالية المتوحشة لا تمزح – الدولة استسلمت أمامها – وستأتي على الأخضر واليابس؛ في الصحة وفي التعليم وفي غيرهما من القطاعات؛ لا شيء عمومي بعد اليوم.
في الوقت الذي لا زال الكثير منا مفصولا عن الواقع… الدولة تجهز لكم مكافئة نهاية الخدمة ألا وهي العصا في حال تحركنا بعد فوات الأوان.
الكثير من هذه العلامات ستظهر جلية بعد بضعة أشهر؛ لن تمر 2024 قبل أن تدرك الغالبية الساحقة حجم المصيبة.
السطر الأخير سيتم تسريع الخروج به بعد أن تم كشف الإنقلاب وبدأت المواجهة تكون مكشوفة.
نحن اليوم في مرحلة جد متأخرة من الإنقلاب ولا زلنا نأمل في ان يستفيق المغيبون ويتحرك المتقاعسون وينهض المتواكلون والانتهازيون لعلنا ندرك بضعا من فرصة تعيد لنا حقوقنا المسروقة بكل وقاحة.

الدكتور سرار كمال
السبت 09 مارس 2024