Afterheaderads-desktop

Afterheaderads-desktop

Afterheader-mobile

Afterheader-mobile

من قفة تضامن إلى فخ فساد: كيف أُهدرت حقوق الفقراء في رمضان؟

في كل عام، يتجمع المغاربة حول فكرة “قفة رمضان” التي تمثل رمزًا من رموز التضامن الاجتماعي، حيث تُوزع المساعدات الغذائية على الأسر المعوزة في الشهر الفضيل. لكن مؤخراً، خرجت تقارير تنذر بالخطر حول تحول هذه العملية إلى بؤرة فساد، حيث تم الكشف عن تورط بعض رؤساء الجماعات المحلية في ممارسات تشوه الهدف النبيل لهذه المساعدات.

ما كان يجب أن يكون جسرًا للتكافل الاجتماعي قد أصبح الآن ميدانًا لابتزاز المنعشين العقاريين والمقاولين، في عملية تستغل فيها السلطة المحلية للحصول على تمويلات مقابل تسهيل عمليات توريد المساعدات الغذائية. ومن هنا، تبرز إحدى القضايا الحساسة التي تزداد تعقيدًا: استغلال “قفة رمضان” لأغراض سياسية وانتخابية. هذا التلاعب يطال القيم الأساسية التي يفترض أن تظل بعيدة عن كل أشكال المصالح الضيقة.

الخطورة هنا ليست مجرد تجاوزات فردية، بل هي مسألة تتعلق بكيفية هدم الثقة في المؤسسات المحلية، حيث يتم استغلال حاجة المواطنين كوسيلة لتحقيق مكاسب انتخابية. ولا شك أن هذا يفتح بابًا واسعًا للحديث عن تداعيات سياسية وأمنية كبيرة. فعندما يتحول الشأن الاجتماعي إلى مجرد وسيلة لشراء الولاءات، فإن السلم الاجتماعي نفسه يصبح على المحك.

التقارير التي تم نشرها مؤخرًا، والتي تفيد بفتح تحقيقات واسعة من طرف وزارة الداخلية ومديرية الجماعات الترابية، تبرز حجم الكارثة التي يمكن أن يُسهم فيها الفساد في تقويض أي مسعى لتحقيق العدالة الاجتماعية. إن التلاعب في توزيع المساعدات لا يتوقف عند حد المال العام فقط، بل يتعداه إلى استغلال الاحتياجات الأساسية للمواطنين كأداة لتمرير الأجندات السياسية الخاصة.

هذه الظاهرة لا تُشوه فقط صور المسؤولين المحليين، بل تساهم بشكل مباشر في زيادة الغضب الشعبي، الذي يتصاعد مع كل فضيحة تُكشف. المواطن الذي كان ينتظر مساعدات غذائية لتحسين وضعه، يجد نفسه فريسة لمخططات انتخابية تسعى لاستغلاله، ليصبح سلعًا يتم التلاعب بها في سوق السياسة. ما يحدث الآن هو أن “قفة رمضان” تحولت من مَعلم من معالم التضامن إلى أداة ملوثة بالفساد والمصالح الشخصية.

المعركة ضد الفساد في هذا السياق ليست معركة قانونية فحسب، بل هي معركة للقيم، معركة من أجل استرجاع الثقة بين المواطن والدولة. وللأسف، فإن الحملة ضد هذا النوع من الفساد لا تزال غير كافية، حيث يظل الفساد مستشريًا في العديد من المستويات، مما يتطلب المزيد من الحزم في التعامل مع الملفات المشبوهة.

إن القضاء على هذه الظاهرة يتطلب إصلاحًا جذريًا في إدارة المساعدات الاجتماعية، بدءًا من آليات المراقبة والتفتيش، وصولًا إلى تحسين الشفافية وتكثيف الجهود للحد من أي استغلال سياسي للمساعدات. نحن بحاجة إلى محاسبة حقيقية، ليس فقط على مستوى الأفراد المتورطين، بل أيضًا على مستوى النظام الذي يسمح بمثل هذه الممارسات.

وإذا كان الهدف من “قفة رمضان” هو توفير العون للمحتاجين، فيجب أن يظل هذا الهدف بعيدًا عن أي تجاذبات سياسية. وكلما تم إبعاد الفساد عن هذه المبادرات، كلما استطعنا الحفاظ على نقاء هذا العمل الإنساني وتحقيق العدالة الاجتماعية التي يتطلع إليها الجميع.

المواطن اليوم لا يحتاج فقط إلى مساعدات غذائية، بل إلى بيئة صحية خالية من الفساد، حيث تكون حقوقه محمية، وتُوزع المساعدات على أساس من الشفافية والعدالة. إذا لم تتخذ الدولة إجراءات صارمة، فإن استمرار هذه الظواهر سيجعل من “قفة رمضان” مجرد ذكرى قديمة، تذكّرنا فقط بحجم الفساد الذي ظل ينهش في المجتمع دون رادع.

كتبته/ ميمونة داهي


شاهد أيضا
تعليقات
تعليقات الزوار
Loading...