مدير النشر
سعيد بندردكة
للتواصل هاتفيا
+212661549296 +212661491292
الثابت و الفاكس
+212537375252
الإيميل
[email protected]
مدير النشر
سعيد بندردكة
للتواصل هاتفيا
+212661549296 +212661491292
الثابت و الفاكس
+212537375252
الإيميل
[email protected]
ابراهيم افندي
في أي مجتمع يسعى للتطور والنمو، يعتبر المجتمع المدني حجر الزاوية لتحقيق التقدم في مختلف المجالات، سواء على مستوى التنمية الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية. ومن أهم مكونات المجتمع المدني الجمعيات التي تلعب دوراً أساسياً في التنسيق بين الأفراد والمؤسسات وتنفيذ الأنشطة الخدمية والتوعوية التي تعزز من التضامن والعمل التطوعي. ولكن، رغم الأهمية الكبيرة للجمعيات، يبقى السؤال الأهم هو: كيف يتم صرف الملايير التي تخصص لدعم هذه الجمعيات، وهل تحقق هذه الأموال الأثر المطلوب على أرض الواقع؟
لا شك أن الجمعيات تلعب دوراً محورياً في تعزيز التضامن الاجتماعي والاقتصادي، وتكريس قيم التطوع والمشاركة المجتمعية. فبفضل هذه الجمعيات، يتم تنظيم الأنشطة الثقافية والتعليمية، وتنفيذ البرامج التنموية التي تستهدف الفئات الهشة من المجتمع، إلى جانب تقديم الخدمات التي قد تكون غائبة عن المؤسسات الرسمية. من خلال هذه الأنشطة، يمكن رفع مستوى الوعي المجتمعي وتعزيز قيم التعاون والعمل المشترك في سبيل المصلحة العامة.
ولكن الواقع يكشف عن مفارقة كبيرة، حيث تشير التقارير إلى أن العديد من الجمعيات التي تستفيد من الدعم المالي العام هي جمعيات صورية لا تعدو كونها أدوات للتمويل من أجل مصالح ضيقة، بعيداً عن أي تأثير حقيقي على الفئات المستهدفة أو تحسين الوضع الاجتماعي في المناطق التي تنشط فيها. هذه الجمعيات قد تكتفي بتنظيم فعاليات مكررة، تفتقر للإبداع والتجديد، ولا تواكب التغيرات التي يشهدها المجتمع. وبالتالي، تصبح الأموال المخصصة لها هدرًا في برامج تنموية لا تحقق النتائج المنتظرة.
إن الكم الهائل من الجمعيات المنتشرة في مختلف الجماعات الترابية يعد مؤشراً إيجابياً على تطور المجتمع المدني، لكنه في الوقت ذاته يمثل تحدياً حقيقياً في ما يتعلق بمتابعة وتوجيه الدعم الموجه لها. فوجود هذه الجمعيات يجب أن يكون مصحوباً بآلية مراقبة صارمة لضمان صرف الأموال المخصصة لها بطريقة شفافة وفعالة. تتطلب هذه المهمة تعزيز آليات التتبع والتقييم لمراقبة تنفيذ الالتزامات التي تم التعهد بها من قبل الجمعيات في برامجها، والتأكد من أن الدعم الذي يوجه إليها يصل فعلاً إلى الفئات المستهدفة ويتم توظيفه بالشكل الأمثل.
إن التعاون بين الجمعيات والمؤسسات العمومية، بما في ذلك المجالس الجماعية والبرلمانية، هو عنصر أساسي لضمان نجاح العمل الجمعوي. إذ يجب توقيع اتفاقيات واضحة مع الجمعيات التي تنشط في مختلف المجالات التنموية، مع الحرص على تدقيق بنود الاتفاقيات وطرق صرف الأموال العمومية. ويجب على هذه المؤسسات العمومية أن تعمل على دعم الجمعيات التي تمتلك برامج واضحة ومؤثرة، وتحفزها على تقديم مشاريع مبتكرة تواكب تحولات المجتمع وتعكس اهتمامات الشباب.
وفي هذا السياق، يصبح دور المؤسسات مثل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية مهماً جداً في تعزيز التنسيق بين الجمعيات والسلطات المحلية، وخصوصاً في مجالات الأنشطة التي تتعلق بالتنمية المستدامة، وتطوير الفنون، والتعليم، والتأهيل المهني. هذا التعاون يجب أن يسهم في إشراك الشباب وتحفيزهم على الانخراط في العمل الجمعوي الذي يعزز قدراتهم ويشجعهم على الابتكار والمساهمة في بناء مجتمع أفضل.
من المهم أن نستغل الفرص المتاحة لتوجيه الشباب نحو إنشاء جمعيات جديدة تركز على الابتكار والإبداع في مختلف المجالات، من تنشيط اجتماعي وفني ورياضي. فمساهمة العمل الجمعوي يجب أن لا تقتصر على الأنشطة التقليدية، بل يجب أن تكون مجالاً لتطوير مهارات الشباب وتحفيزهم على إنشاء مشاريع صغيرة تساهم في تطوير الاقتصاد المحلي، مثل تأسيس المقاولات الصغيرة في مجال الفنون أو التنشيط الثقافي.
إضافة إلى ذلك، من الضروري أن نعيد التفكير في دور العمل الجمعوي في الحياة الاقتصادية، بحيث يتمكن الأفراد من التوازن بين العمل التطوعي والنجاح الفردي، مع الحفاظ على الالتزام بالقوانين والأخلاقيات. فالجمعيات يجب أن تكون منصات لصقل الطاقات والمواهب، وليس مجرد ساحة لتقديم المساعدات الاجتماعية البسيطة.
من الأمور التي يجب أن تتم محاربتها هي ظاهرة استغلال المال العام من قبل بعض الجمعيات لتحقيق مكاسب انتخابية أو حزبية. للأسف، هناك جمعيات ترتبط ارتباطًا وثيقًا بأحزاب سياسية أو بأشخاص في مواقع القرار، ويهدف القائمون عليها إلى توسيع قاعدة نفوذهم الانتخابي، بدلاً من تحقيق التنمية المجتمعية الفعلية. هذا الوضع يجب أن يتغير، ويجب أن يعتمد الدعم على معايير موضوعية وشفافة تركز على الفعالية والمساهمة الحقيقية في التنمية.
لقد كشفت وزارة الداخلية عن العديد من الخروقات في توزيع الدعم الجمعوي، وقامت بتحذير من استغلال المال العام لصالح جمعيات حزبية، كما رفضت المصادقة على بعض المقررات بسبب الخروقات القانونية وغياب التوازن في الميزانية. ومع ذلك، ما زالت الحاجة إلى مقاربة شاملة تركز على تحسين آليات صرف المال العام وتطبيق القوانين بشكل صارم لضمان وصوله إلى مستحقيه.
للاشارة فإن دعم الجمعيات يعتبر من أبرز الأدوات التي يمكن أن تساهم في التنمية المجتمعية وتحقيق التكافل الاجتماعي. ولكن، لكي يحقق هذا الدعم الأثر المرجو، يجب أن يكون مصحوباً بآليات رقابة ومتابعة صارمة، تضمن صرف المال العام في المشاريع التي تخدم المصلحة العامة، وتعزز من دور الشباب في العمل الجمعوي. يجب على الجميع العمل سوياً لتطوير العمل الجمعوي، وتوجيهه نحو مشاريع مبتكرة تواكب تطورات العصر وتستجيب لاحتياجات المجتمع، بدلاً من الاستمرار في دعم الأنشطة الصورية التي لا تسهم في بناء المستقبل.