مدير النشر
سعيد بندردكة
للتواصل هاتفيا
+212661491292
الثابت و الفاكس
+212537375252
الإيميل
[email protected]
مدير النشر
سعيد بندردكة
للتواصل هاتفيا
+212661491292
الثابت و الفاكس
+212537375252
الإيميل
[email protected]
تشهد عدة مدن بالمملكة المغربية محاربة مختلف اشكال احتلال الملك العمومي سيما الجماعي منه وسط تغطية إعلامية محلية لم يسبق لها مثيل و مدينة القنيطرة لا تشكل الاستثناء .
و يجدر بالذكر أن الملك العمومي من أهم المرافق الحيوية التي تضمن حق المواطنين في التمتع بالفضاءات المشتركة، كالأرصفة، والساحات، والطرق، والحدائق. غير أن مشهد احتلال هذه الفضاءات أصبح ظاهرة مألوفة في عدد من المدن المغربية، حيث تتعالى شكاوى المواطنين من فوضى العربات، والباعة المتجولين، والمقاهي التي تمدّ كراسيها إلى وسط الطريق، و المحلات التجارية التي تعرض سلعها وسط الشارع ، مما يُعيق حركة السير، ويشوه جمالية المجال الحضري.
و لهذا يطرح السؤال المشروع و بإلحاح فما مدى المسؤولية القانونية للمجلس الجماعي والسلطات المحلية في مواجهة هذا الوضع؟ ومن يتحمل تبعات هذا الإهمال؟
للإشارة فقد المشرع المغربي الملك العمومي به مجموع الأملاك التي تخصص للمنفعة العامة وتخضع لسلطة الدولة أو الجماعة الترابية. ويُعتبر احتلاله، سواء المؤقت أو الدائم، تصرفًا يخضع لشروط قانونية صارمة، لا سيما بموجب الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.59.315 المتعلق بالمحافظة على الطرق العمومية، والقانون التنظيمي 113.14 المتعلق بالجماعات.
ومع ذلك، فالكثير من هذه المساحات يتم استغلالها بشكل غير قانوني، إما بتغاضي المجالس الجماعية، أو نتيجة ضعف تدخل السلطة المحلية، ما يجعل المواطن هو المتضرر الأول .
حسب القوانين المعمول بها فقد أناط الشرع المغرب بالمجلس الجماعي مسؤولية تدبير واستغلال الملك العمومي الجماعي، وهو ما يُنظمه القانون التنظيمي 113.14 المتعلق بالجماعات، خاصة في المادة 83، التي تُقر بأن من بين الاختصاصات الذاتية للمجلس “تنظيم واستغلال الملك العمومي الجماعي”.
ويمنح هذا القانون للمجلس الجماعي سلطة إصدار تراخيص مؤقتة لاستغلال أجزاء من الملك العمومي، مثل الأرصفة أو الساحات العمومية، لأغراض تجارية أو مهنية أو خدماتية، مقابل أداء رسوم تحدد في لوائح جبائية مصادق عليها.
غير أن التطبيق العملي و المعاينة اليومية و الميدانية يكشف عن عدة اختلالات، أبرزها:
منح تراخيص بدون ضوابط واضحة أو تحيين دوري و التوسع العشوائي في المساحات المُستغلة من طرف المحلات والمقاهي. و ضعف المراقبة من طرف اللجان الجماعية المكلفة بتتبع الاستغلال و عدم تفعيل مسطرة سحب الترخيص في حالة المخالفة، رغم أن القانون يسمح بذلك.
فمن عجيب الصدف أن محلات تجارية تؤدي رسوم حول استغلال العمومي و دون حصولها على رخصة مزاولة النشاط الرئيسي أو تزاول نشاطا تجاريا أو مهنيا غير مرخص مغايرا
كل هذه الممارسات تكرّس واقعًا من الفوضى والتمييز، وتمسّ بجوهر العدالة المجالية وحق المواطن في الولوج إلى الفضاء العمومي دون عوائق.
و هنا يبؤز الشق الثاني من مسؤولية السلطة المحلية ، فرغم أن إصدار التراخيص يدخل ضمن اختصاص الجماعات، فإن مسؤولية تنفيذ القانون ومحاربة مظاهر الفوضى تقع على عاتق السلطة المحلية، ممثلة في الباشاوات والقياد وأعوان السلطة. فهؤلاء يتحملون مسؤولية السهر على النظام العام، وتطبيق القوانين التنظيمية، بما فيها تحرير الملك العمومي من الاحتلال غير المشروع.
لكن الواقع يُظهر تفاوتًا كبيرًا في مدى تدخل السلطة، إذ أن بعض القياد يتعاملون بصرامة مع هذه الظاهرة، بينما يفضل آخرون “السكوت مقابل السلم الاجتماعي”، خاصة حين يتعلق الأمر بالفئات الهشة كالباعة المتجولين. وهذا ما يخلق حالة من الفوضى القانونية
في النهاية، المواطن البسيط هو من يدفع ضريبة هذا التداخل في الاختصاصات والتقاعس في التدخل. فالأرصفة لم تعد صالحة للمشاة، والطرق تتحول إلى أسواق عشوائية، والأحياء تغرق في فوضى عمرانية وتنظيمية تُقوّض جمالية المدينة وتحرم المواطن من حقه في فضاء عام نظيف و آمن.
و من أجل تفعيل حقيقي للمساءلة القانونية ، فلم يعد كافيًا إلقاء اللوم على طرف دون آخر. فالحل يمر عبر تفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة، وتعزيز التنسيق بين المجلس الجماعي والسلطة المحلية، وإشراك المجتمع المدني في مراقبة وتتبع ظاهرة احتلال الملك العمومي، فضلًا عن تحديث الإطار القانوني وفرض غرامات زجرية على كل من يخرق القوانين المنظمة لهذه الأملاك.
إن القانون 113.14 يمنح المجالس الجماعية الأدوات والصلاحيات الكافية لتدبير الملك العمومي بشكل فعال، لكن غياب الحزم والوضوح في التنفيذ يجعل هذه النصوص مجرد حبر على ورق.
ولا سبيل لتجاوز هذا الوضع إلا عبر حكامة محلية رشيدة، تُراعي التوازن بين متطلبات التنظيم وضرورات العدالة الاجتماعية.
بقلم/ عبد الكامل بوكصة