مدير النشر
سعيد بندردكة
للتواصل هاتفيا
+212661491292
الثابت و الفاكس
+212537375252
الإيميل
[email protected]
مدير النشر
سعيد بندردكة
للتواصل هاتفيا
+212661491292
الثابت و الفاكس
+212537375252
الإيميل
[email protected]
تمر مدينة القنيطرة من لحظة سياسية فارقة من تاريخ الدولة المغربية، حيث تتبلور بها صورة مركّبة تعكس أزمة عميقة في نموذج التمثيل المحلي، وتُبرز في الآن ذاته يقظة مركزية تؤمن بأن اللحظات الكبرى لا تقبل الهشاشة، ولا تتسع للتردد. فبينما تستعد المملكة لتنظيم تظاهرة كونية بحجم كأس العالم، تبدو القنيطرة وكأنها تسابق الزمن، لا بفضل نضج مؤسساتها المنتخبة، بل تحت قيادة فعلية لمركز القرار، ممثلًا في وزارة الداخلية وعبر ذراعها التنفيذي: عامل الإقليم.
ما يحدث في القنيطرة ليس طفرة تنموية معزولة، بل حالة سياسية تعرّي محدودية الأداء الجماعي، وتُعيد طرح سؤال جوهري حول ملاءمة البنية المنتخبة للرهانات الاستراتيجية. فالمجلس الجماعي، الذي يُفترض به أن يكون نواة الفعل المحلي، غائب فعليًا عن المشهد، لا بمفهوم التنازل الطوعي، بل بعجز موضوعي تجلّى في غياب الرؤية، وشلل القرار، وفراغ المبادرة.
والأدهى من ذلك أن قيادة هذا المجلس ممثلة في رئيسة تعجز، حتى اللحظة، عن صياغة خطاب متماسك، أو مجرّد ارتجال تواصلي يُقنع المواطن أو يواكب اللحظة. فكيف بمن لا تُتقن لغة التوجيه، ولا تمتلك كاريزما الإقناع، أن تملك ناصية التسيير وتدبير الانتقال العمراني والمؤسساتي لمدينة في مفترق الطرق؟ كيف لمن تلعثمت عند إلقاء كلمة و تعثّرت في الأداء السياسي أن تُدبّر زمنًا تنمويًا يتطلب أعصابًا باردة، ونضجًا استراتيجيًا، وشبكة علاقات مؤسساتية متقدمة و فهما دقيقا للمرحلة؟
إن ما تعيشه المدينة اليوم هو ما يُصطلح عليه بـ”تقدّم منطق الدولة على منطق التمثيل”، حيث تضطر السلطة التنظيمية إلى ممارسة اختصاصها الاحتياطي، لا رغبة في إضعاف المنتخب، بل إنقاذًا للزمن السياسي من الانهيار. لقد اضطُرّ عامل الإقليم عبد الحميد المزيد، استنادًا إلى سلطته التقديرية، إلى إطلاق أوراش كبرى، وتوجيه اعتمادات ضخمة، وتعبئة أجهزة الدولة ومؤسساتها، في مشهد يُشبه إلى حد بعيد “إعادة بناء الدولة داخل المدينة”.
وهنا تكمن المفارقة: في الوقت الذي يُنتظر من المؤسسات المنتخبة أن تكون قاطرة للتماسك المجتمعي، والتعبئة، والتخطيط، تحوّلت إلى كيانات مشلولة لا تملك من الشرعية سوى صفة إدارية، بلا أثر في الفعل، ولا وقع في القرار. لقد سُحبت من يدها أدوات الفعل، لا تعسفًا، بل بمنطق الإنقاذ الضروري، لأن القنيطرة لا تحتمل مزيدًا من التردد، ولا مزيدًا من الشعبوية.
إن الدينامية التي تُصاغ اليوم على مستوى الإقليم، والتي تُباشرها الدولة من موقع اليقين والنجاعة، تُعيد ترتيب مفاهيم التدبير المحلي، وتؤسس لفكرة جديدة مفادها أن الفاعلية شرط من شروط الشرعية، وأن تمثيل المواطن لا يُختزل في صناديق الاقتراع، بل يُقاس بقدرة المنتخب على تولي زمام المرحلة، وتحمل كلفة القرار، وإنتاج الأثر.
القنيطرة، بهذا المعنى، ليست فقط مدينة في ورش؛ بل هي مختبر لإعادة تعريف العلاقة بين المنتخب والمعين، بين شرعية الانتخاب وشرعية الإنجاز، بين فشل الكفاءة وصعود منطق الدولة حين يُصبح التدخل ضرورة وجودية لحماية هيبة المدينة وضمان استمرارية الدولة، القنيطرة محظوظة بوجود عامل الإقليم و إلا كان الأمر ليصبح أسوأ مما هو عليه.
كتبته/ميمونة داهي