مدير النشر
سعيد بندردكة
للتواصل هاتفيا
+212661491292
الثابت و الفاكس
+212537375252
الإيميل
[email protected]
مدير النشر
سعيد بندردكة
للتواصل هاتفيا
+212661491292
الثابت و الفاكس
+212537375252
الإيميل
[email protected]
في ليلةٍ استثنائية، استعادت الخشبة دفئها ووهجها بعودة الفنانة دنيا بطمة، بعد غياب قسري لم يزدها إلا حضورًا وهيبةً في عيون جمهورٍ لم يتخلّ عنها يومًا. لم يكن الحفل مجرد عرضٍ موسيقي، بل حدثًا فنّيًا شاملاً استعاد فيه المسرح المغربي شيئًا من ألقه القديم، وكتب فصلاً جديدًا في حكاية فنانة أثبتت أن الشغف حين يقترن بالإصرار، يصنع المعجزات.
منذ الإعلان عن الحفل، بدا أن شيئًا غير عادي يتحضّر. التذاكر نفدت بالكامل، والتنظيم المحكم كشف عن رؤية احترافية لا تُركن للمصادفة، بل تُبنى بتفانٍ خلف الكواليس. ابتسام بطمة، شقيقة الفنانة والمشرفة على إدارة أعمالها، وقفت خلف التفاصيل الدقيقة للحفل، من اختيار التوقيت والديكور إلى ضبط الإيقاع العام للحدث، لتُترجم بذلك وفاء العائلة للفنّ، وإيمانها العميق بمكانة دنيا في المشهد الموسيقي.
جمهور غفير ملأ القاعة، لم يكن مجرّد جمهورٍ عادي، بل عشّاق أوفياء حملوا معها الذاكرة والتجربة، ووقفوا ليقولوا: نحن هنا، منذ البدايات… وإلى ما بعد العودة.
إيمان بطمة، مفاجأة الحفل، أطلّت بصوتها الصافي في افتتاحيةٍ أنيقة شكّلت مفاجأة للجمهور، وكأن العائلة البطماوية تفتح صفحة جديدة، تُكتب فيها الأصوات من الجينات كما تُكتب من التدريب والإصرار. كان في غنائها دفء العائلة، ودهشة البدايات التي تُبشّر بما هو قادم.
وفي لحظة إنسانية دافئة، احتفلت دنيا بعيد ميلادها رفقة بناتها، اللواتي شاركنها الغناء، ثم أطفأت الشموع على إيقاع الفرح الممزوج بالامتنان، في مشهدٍ اختلط فيه المسرح بالحياة، والغناء بالمحبة، ليكتمل الحفل بصورة من العذوبة والحميمية.
صعود حميد بطمة، والد الفنانة وأحد أعلام الأغنية المغربية، أضفى على الحفل بعدًا تاريخيًا عميقًا. بصوته، وبحضور الذكريات التي يحملها، تماهى الجيل القديم بالجديد، فاستشعر الحضور أن الفن ليس لحظة، بل مسيرة… وأن العائلة التي تعزف معًا، تكتب التاريخ معًا.
دنيا بطمة لم تترك لونًا غنائيًا إلا ومرّت به بإتقان: الطرب، الراي، الخليجي، الشعبي، العصري، كلّها حضرت بتلوينات صوتها وبأسلوبها الذي يجمع بين الصنعة والروح. غنت فأشعلت المسرح، ورقص الجمهور على أنغامٍ يعرفها ويحفظها عن ظهر قلب، ليصبح الحفل أقرب إلى طقسٍ جماعيٍّ من الفرح والتصالح مع الفن.
لم تغب الوطنية عن دنيا بطمة في كل موقفٍ ومكان، ففي تلك الليلة، استحضرت روح الانتماء لوطنها كما لم تفعل من قبل. التفت بالعلم الوطني، وارتدت قفطان مغربي زيٌّ يعكس تراث الأجداد، مؤكدةً على ارتباطها العميق بجذورها. غنت للوطن، ولملك البلاد، مُعربةً عن حبٍ وولاءٍ لا يمكن إلا أن يلامس قلب كل مغربي.
ثم كانت لحظة الوفاء لصوت مغربي لا يُنسى، استحضرت فيها روح الأيقونة نعيمة سميح، فغنت إحدى خالدة أغانيها “ياك أجرحي”، وكأنها تُرمم الجرح الذي تركه رحيل الراقية فنا و تاريخا، وتُواصل بذلك مسيرة الصوت المغربي الأصيل.
نجاح الحفل لم يكن فقط في عدد الحضور، ولا في تفاعل الجمهور، بل في تلك اللحظة التي شعرت فيها دنيا بطمة، وكل من تابعها، أن العودة لم تكن مجرّد قرار… بل “قدر”. لقد عادت “ديفا المغرب” لتؤكد أن المكان لا يُمنح، بل يُنتزع بالصوت، وبالصدق، وبالحب الذي لا يخونه الزمن.