Afterheaderads-desktop

Afterheaderads-desktop

Afterheader-mobile

Afterheader-mobile

أزمة الجماعة في القنيطرة: مراسلات تكشف حرب الصلاحيات و تمردا ناعما على العامل عبد الحميد المزيد..فهل سنشهد اختبارا جديدا لحدود السلطة؟

مدينة القنيطرة عاصمة الغرب و حاضرة سبو حيث يُفترض أن تُدار الشؤون المحلية بروح الحكامة والتشارك، تتحول الاجتماعات الجماعية إلى مسرح لصراع مكتوم بين الرئاسة والوصاية.

منذ شهور، تتناسل المراسلات والطعون، وتتصاعد نبرة الاحتجاج، لتكشف عن أزمة مؤسساتية حقيقية داخل المجلس الجماعي، عنوانها فقدان القيادة، وغياب الانسجام، وتردد العامل بين الحياد الإداري وضرورة التدخل.

الوثائق التي حصلنا عليها ترسم صورة دقيقة لمرحلة سياسية مرتبكة، تُدار فيها الجماعة بقرارات متنازَع على مشروعيتها، ورئيسة يبدو أنها فقدت السيطرة على مجلسها، إن لم تكن قد اختارت طريقا آخر… طريق التمرد الهادئ.

تبدأ القصة من رسالة مؤرخة في 14 ماي 2025، حين راسل عدد من المستشارين الجماعيين باشا المدينة بشأن “خروقات قانونية خطيرة” في انتخاب اللجان الدائمة. اتهموا الرئيسة بتزكية انتخاب أعضاء في مواقع لا يحق لهم شغلها قانونا، في خرق واضح للمادة 26 من القانون التنظيمي رقم 14-113. ومنذ تلك اللحظة، انكسر جدار الصمت داخل المجلس، وظهرت أولى مؤشرات فقدان الرئيسة السيطرة على توازنات الأغلبية.

لكن الأمور لم تتوقف عند هذا الحد. فبعد تجاهل المراسلة الأولى، واصل الأعضاء تحركهم في يوليوز 2025 بمراسلات متزامنة إلى عامل إقليم القنيطرة. الوثائق الثلاث المؤرخة في 2 يوليوز تضمنت اتهامات واضحة للرئاسة بـ”الإقصاء المتعمد” و”التمادي في خرق القانون”، مطالبة بتدخل فوري من السلطة الوصية. في المقابل، تجاهلت الرئاسة كل هذه التنبيهات، ما زاد من حدة التوتر ودفع الأعضاء إلى التشكيك في شرعية بعض القرارات والمداولات. وهكذا أصبح العامل أمام مؤسسة منقسمة ومراسلات متقابلة، ما جعله في موقع المتدخل الإجباري لتصحيح المسار.

ومع توالي المراسلات، بدأ واضحا أن الرئيسة فقدت زمام المبادرة. لم تعد قادرة على بناء توافقات، ولا على إدارة النقاشات داخل المؤسسة، فالمداولات أصبحت مجالا لتصفية الحسابات السياسية أكثر منها لتدبير الشأن المحلي. إحدى المذكرات الموجهة إلى العامل تتحدث بوضوح عن “رفض الرئيسة تنفيذ أوامر الوصاية”، معتبرة ذلك “تمردا مؤسساتيا على سلطة القانون”. في تلك اللحظة، لم يعد الخلاف مجرد نزاع قانوني، بل أصبح مسألة قيادة وأسلوب حكم.

وبقدر ما حاول عامل الإقليم الحفاظ على مسافة متوازنة بين الأطراف، بقدر ما وجد نفسه أمام اختبار إداري معقد. فهو مطالب بضمان المشروعية القانونية دون أن يُتهم بالتدخل في السياسة، وبإعادة النظام دون المساس بالانتداب الديمقراطي للرئيسة. غير أن تكرار الشكايات، وتوسعها لتشمل شبهات تضارب المصالح، جعل الوصاية تتحول من مراقِب إلى طرف فاعل، مدعوة للتدخل باسم القانون قبل أن تفلت الأمور من السيطرة.

المذكرة الأخيرة، المؤرخة بـ 5 أكتوبر 2025، كانت الأوضح والأكثر جرأة. وجهها الأعضاء إلى العامل، موثّقين كل الخروقات السابقة ومطالبين بتفعيل المسطرة القانونية فورا. اتهموا الرئيسة بالتمادي في خرق القانون التنظيمي رقم 14-113، وبتجاهل التنبيهات المتكررة من السلطات المحلية. تحدثت المراسلة بلغة غير معتادة في الخطاب الجماعي، ووصفت الوضع بأنه “يهدد شرعية التداولات ويقوض ثقة الساكنة في مؤسستها المنتخبة”، حتى إنها وُصفت داخل أروقة العمالة بأنها نقطة اللاعودة في الأزمة القنيطرية.

وفي خضم هذا الصراع، تصل إلى الرئاسة مراسلة من وزارة الداخلية تدعوها إلى ورشة حول إدماج مقاربة النوع في إعداد الميزانية. رسالة عادية في ظاهرها، لكنها بدت في سياق الأزمة رمزا صارخا للمفارقة: وزارة تتحدث عن المساواة والنجاعة، فيما جماعة القنيطرة غارقة في ارتباك سياسي يعطل كل إصلاح.

لكن خلف كل هذه المراسلات الرسمية، يختبئ ما هو أعمق من مجرد سوء تدبير. فالقراءة المتأنية لتتابع الأحداث تكشف عن تمرد خفي من الرئيسة على سلطة العامل. تمرد لا يُعلن صراحة، لكنه يتجلى في الإصرار على تجاهل التنبيهات، وفي تنفيذ قرارات مثيرة للجدل رغم التحذيرات المتكررة.

المفارقة أنها الرئيسة نفسها التي طالما اختبأت وراء عباءة عبدالمجيد المزيد، ونسبت إليه قراراتها الإدارية، بل لم تكن تفوت مناسبة أو حتى غير مناسبة دون أن تشيد به علنا، إلى أن اتضح اليوم أنها تحاول تحميله المسؤولية ورمي أخطائها عليه، في مشهد سياسيّ متقن التمثيل.

وهنا يطل السؤال المشروع:

هل نحن أمام رئيسة تجهل حدود صلاحياتها، أم أمام صراع صامت بين الإدارة والمنتخبين تغذيه جهة ما من وراء الستار؟ هل المسألة نزوة شخصية، أم أن هناك من يدفع نحو اختبار حدود سلطة العامل في مواجهة سلطة الصندوق؟

تبدو القنيطرة، في هذا المشهد، وكأنها حقل تجارب لصراع أعمق بين الوصاية والمجالس المنتخبة، حيث تتقاطع السياسة مع الإدارة في مشهد لا يُدار فيه الخلاف بالحوار، بل بالتمرد الهادئ والردود المؤجلة. العامل هنا لا يبدو متخاذلا بقدر ما يبدو محاصَرا بين منطق الدولة ومنطق الانتخابات، يحاول ضبط الإيقاع الإداري وسط عاصفة من الطموحات والحسابات.

تكشف وثائق القنيطرة أن أزمة التدبير المحلي ليست دائما نتاج ضعف الكفاءات فحسب، بل أحيانا نتيجة صراع مكتوم بين السلطة المنتخبة والسلطة الوصية. فالرئيسة، وقد فقدت السيطرة على مجلسها، تبدو اليوم عالقة بين نص القانون وإكراهات السياسة، بينما العامل يُوازن بين الحزم والتريث، في انتظار أن تحسم الوقائع ما لم تستطع الاجتماعات حسمه.

ويبقى السؤال الأعمق، وربما الأكثر إحراجاً:

هل ما يجري في القنيطرة مجرد فوضى تنظيمية عابرة، أم بداية اختبار جديد لعلاقة المنتخب بالإدارة، والرئاسة بالعامل، والديمقراطية بالسلطة؟ و لنا عودة للكشف عن الاختلالات و الخروقات بالتفصيل الموثق!!.

كتبته/ميمونة الحاج داهي


شاهد أيضا
تعليقات
تعليقات الزوار
Loading...