مدير النشر
سعيد بندردكة
للتواصل هاتفيا
+212661491292
الثابت و الفاكس
+212537375252
الإيميل
[email protected]
مدير النشر
سعيد بندردكة
للتواصل هاتفيا
+212661491292
الثابت و الفاكس
+212537375252
الإيميل
[email protected]
في زمن تتشابك فيه خيوط الأزمة بقطاع الصحة، وتتعالى صيحات المواطنين من سوء التدبير ووعود الإصلاح التي تتبخر مع أولى عثرات التنفيذ، يلوح في الأفق اسم يذكرنا بأن للتغيير وجهًا، وأن للإصلاح ثمنًا، وأن للنزاهة عنوانًا: الدكتور الحسين الوردي. ابن الريف، والوزير التقدمي الذي لم يأتِ ليرقص على أنغام البروتوكولات، بل جاء ليشن حربًا بلا هوادة على لوبيات الفساد التي استباحت صحة المغاربة.
لم يكن الوردي مجرد مسؤول عابر مر على الوزارة كغيره؛ بل كان أشبه بعاصفة هوجاء قلبت الطاولة على كل القواعد المألوفة. لقد واجه بإصرار وشجاعة وحشًا ذا رؤوس متعددة، يتمثل في شبكات المصالح العابرة التي ترسخت في جسم القطاع الصحي لعقود. لوبيات الأدوية، التي كانت تحتكر السوق وتفرض أسعارًا فلكية، وجدت نفسها أمام وزير يرفض المساومة. لقد كان يرى أن صحة المواطن المغربي ليست بضاعة تباع وتشترى، بل حق مقدس.
ولأن طريق الإصلاح ليس مفروشًا بالورود، دفع الوردي ثمن جرأته غاليًا. لم تكن التهديدات مجرد شائعات، بل تحولت إلى محاولات فعلية لإسكاته، بعد أن ضرب مصالح مترامية الأطراف، أثرت على حساب المرضى. ولم تكن حماية الملك محمد السادس له بتخصيص حراس شخصيين مجرد إجراء أمني، بل كانت رسالة واضحة من أعلى سلطة في البلاد، تؤكد أن معركة الوردي هي معركة وطن، ودفاع عن هيبة الدولة في وجه جبروت الفساد.
نقطة تحول: معركة “السوفالدي”
أبرز محطات هذه المعركة كانت في مواجهة دواء التهاب الكبد الفيروسي “السوفالدي”. في وقت كانت فيه الشركات العملاقة تطلب أسعارًا تعجيزية، مما يجعله حلمًا بعيد المنال عن الآلاف من المرضى المغاربة، رفض الوردي الانصياع. أدار مفاوضات مضنية، لم تنتهِ إلا بانتصار تاريخي: كسر احتكار الدواء وفتح الباب أمام إنتاج نسخة محلية بجزء يسير من السعر العالمي. لم يكن هذا قرارًا تقنيًا، بل كان بمثابة زلزال هز أركان اللوبيات وأسس لسيادة دوائية وطنية طالما حلم بها المغاربة. لقد وضع حجر الأساس لصناعة دوائية محلية قادرة على تلبية احتياجات البلد، وتحريره من قبضة المختبرات الأجنبية.
لم تقتصر أساليب الوردي على المواجهة في المكاتب الرسمية. بل كان يتقمص دور “الوزير المواطن”، يتسلل متنكرًا إلى المستشفيات والمراكز الصحية ليلمس الواقع بنفسه، بعيدًا عن عدسات الكاميرات والتقارير المزيفة. لقد كان يرى بنفسه طوابير الانتظار، والأجهزة المعطلة، والبيروقراطية القاتلة. لم تكن هذه الزيارات مجرد استعراض، بل كانت منهجًا صادقًا في الحكم وقطيعة مع ثقافة البروتوكولات التي تزين القبح وتخفي الداء.
وعلى الرغم من محدودية الإمكانيات وصعوبة التحديات، ترك الحسين الوردي بصمات لا يمكن محوها. لقد كان رمزًا للوزير الذي يجرؤ على المواجهة، ويتحلى بالنزاهة الفكرية والأخلاقية، ويُثبت أن الإصلاح ليس مستحيلًا إذا توفرت الإرادة الحقيقية. بالنسبة للكثيرين، كان الوردي نموذجًا للسياسي الذي يفهم أن المنصب هو مسؤولية، وليس مجرد امتياز أو مطية لتحقيق الربح الشخصي.
هل يعود الوردي؟ سؤال يتردد في زمن خيبات الأمل
اليوم، ومع تزايد الشعور بالإحباط من الوضع الحالي لقطاع الصحة، ترتفع أصوات كثيرة تطالب بعودة الحسين الوردي. هذا المطلب ليس حنينًا إلى الماضي بقدر ما هو توق إلى استعادة نموذج رجل دولة حقيقي، يجمع بين النزاهة والجرأة، في زمن تُختطف فيه المصلحة العامة لصالح المصالح الخاصة.
الحسين الوردي لم يكن وزيرًا عابرًا، بل أصبح رمزًا لذاكرة سياسية نظيفة، ورجلًا جسّد في أصعب قطاع معنى المسؤولية الوطنية. إن عودته ليست مجرد ترف سياسي، بل هي رسالة واضحة من الشعب المغربي: المغرب بحاجة ماسة إلى وزراء بوزن رجال دولة، لا مجرد موظفين كبار يختبئون خلف المكاتب.