مدير النشر
سعيد بندردكة
للتواصل هاتفيا
+212661491292
الثابت و الفاكس
+212537375252
الإيميل
[email protected]
مدير النشر
سعيد بندردكة
للتواصل هاتفيا
+212661491292
الثابت و الفاكس
+212537375252
الإيميل
[email protected]
في سابقة خطيرة وغير مسبوقة على مستوى التدبير المحلي، صدر عن رئاسة الجماعة الترابية لسيدي سليمان بيان رسمي بتاريخ 11 أبريل 2025، بدا للوهلة الأولى كأنه مجرد توضيح إداري بخصوص استعمال سيارة المصلحة من طرف أحد أعضاء المجلس، قبل أن ينقلب – في مضمونه العميق – إلى وثيقة كارثية تضرب في الصميم مفاهيم السيادة والشرعية السياسية، وتُدخل “العدو الخارجي” إلى قلب النقاش المحلي، في خطوة أقل ما توصف به أنها عبثية وغير مسؤولة.
بمنتهى الخطورة، ارتأت الجماعة – أو لنقل رئيسها ومن يقف خلف البيان – أن الدفاع عن عضو تعرض لاعتداء لفظي أو جسدي بسبب استعمال سيارة إدارية، لا يجب أن يُفصل عن “التآمر مع جهات معادية للوطن” و”محاولة ضرب استقرار المملكة”! وهو تطور لغوي ودلالي صادم، لأنه بدل أن يُحصر الحادث في طبيعته المحلية – أي مساءلة أو تشهير في غير محله – تم الانزلاق نحو تحميل الواقعة أبعادًا أمنية سيادية عبر التلميح أن خصوم العضو الجماعي يتواطؤون مع جهات معادية للمغرب، بل ويُسربون لها مقاطع فيديو بقصد المس بسمعة الوطن.
إن خطورة ما جاء في البيان لا تكمن فقط في الاتهامات غير الموثقة، بل في الإقرار الضمني بأن “الجهات المعادية” أصبحت قادرة على التأثير في قضايا الجماعات المحلية، وتوظيف الخلافات العادية داخل المجالس لتقويض صورة الدولة. وهذا، في السياق السياسي والدبلوماسي المغربي، يُعد سقطة كبرى تُفقد المؤسسة المنتخبة جزءاً من شرعيتها الرمزية، لأنها – بشكل أو بآخر – تفتح للأعداء باباً ما كان يجب أن يُفتح.
فبدلاً من معالجة الأمر بمسؤولية داخلية، عبر فتح مساطر قانونية أو تفعيل آليات التأديب والمحاسبة، اختار رئيس الجماعة تصدير المشكل خارج حدوده الفعلية، وتضخيمه بمنطق التخوين والتشهير، مما يعكس ارتباكًا عميقًا في فهم طبيعة الأدوار السياسية والمؤسساتية. والأخطر من كل ذلك أن هذا البيان يُقر ضمنيًا بشرعية الجهات المعادية التي يهاجمها، إذ جعل منها طرفًا مؤثرًا قادرًا على التشويش، وهي سابقة خطيرة تفتح المجال أمام هذه الجهات لتبرير تدخلها في الشأن المحلي بدعوى “متابعة الوضع” أو “فضح الانتهاكات”، وهو ما يناقض جوهر السيادة الوطنية التي يفترض أن يدافع عنها المسؤول الترابي لا أن يوظفها توظيفًا انتقائيًا ظرفيًا.
إن خطر هذا النوع من البيانات لا يتوقف عند جماعة سيدي سليمان. بل يؤسس لسابقة خطيرة تسمح لأي مسؤول محلي، كلما اشتد عليه الضغط أو ارتبك في موقف، أن يستنجد بـ”شماعة الأعداء”، وأن يستدعي قضايا السيادة لتبرير فشل التدبير أو انعدام التواصل مع الساكنة. وهو انزلاق يقوض مشروع الجهوية المتقدمة، ويشوّه صورة الديمقراطية المحلية التي يراهن عليها المغرب كنموذج في الاستقرار والتدرج المؤسساتي.
ولا يمكن، في ظل هذا السياق، أن يظل عامل الإقليم في موقع المتفرج، خاصة وأنه الجهة الوصية على الجماعة، والمسؤول الأول عن احترام القانون داخلها. إن الأمر لم يعد يتعلق بخلاف حول سيارة، بل بات يتصل مباشرة باستعمال رمزية الدولة والاتهام بالخيانة الوطنية دون سند، وهو ما يستوجب تدخلًا فوريًا لفتح تحقيق شفاف مع رئيس الجماعة، ومطالبته بتقديم أدلة واضحة وموثقة حول ما صرح به في البيان الرسمي.
كما أن النيابة العامة مدعوة إلى التحرك، ليس فقط حمايةً لكرامة المواطنين المتهمين، ولكن أيضاً لصون حرمة المؤسسات من العبث، وللحيلولة دون ترسيخ ثقافة “التخوين الإداري” كوسيلة للهرب من المسؤولية. فالدستور المغربي واضح في تأكيده على قرينة البراءة، وعلى أن لا جريمة ولا عقوبة إلا بناءً على القانون، وأن لا أحد فوق المساءلة مهما علا منصبه أو كثرت علاقاته.
إن الدولة، في ظل تطوراتها المؤسساتية، لا يمكن أن تسمح بتحويل صراعات الجماعة إلى منصات لتصفية الحسابات عبر استدعاء مفردات الأمن القومي، ولا بتمرير خطاب التخوين تحت غطاء التبرير الإداري. وإذا ما تم التساهل مع مثل هذه الخطابات، فسيُفتح الباب أمام منطق جديد وخطير مفاده أن الخلافات المحلية يمكن أن تُحسم باتهامات سيادية لا تستند إلى أدلة، وهو ما لا يخدم لا الاستقرار ولا هيبة الدولة.
لقد كان الأجدر برئيس الجماعة أن يتحلى بالحكمة، وأن يلجأ للقانون لحماية زميله إن ثبت تعرضه لاعتداء، أو أن يصدر توضيحاً متزناً ينفي سوء استعمال السيارة ويوضح الملابسات. لكنه اختار، بكل أسف، خلط الأوراق وجر المؤسسة إلى لعبة التشكيك والتخوين، مما أضر أكثر مما نفع، وفتح ثغرة في الجدار الوطني نحن في غنى عنها.
فلنحذر جميعاً من تحويل خصوماتنا السياسية إلى معارك ضد الوطن، ومن إعطاء من لا يملكون شرعية الأرض ولا التاريخ، فرصة التسلل إلى شؤوننا باسم “المظلومية” أو “المراقبة”، فقط لأننا فقدنا أعصابنا ولم نحسن إدارة الخلاف.