مدير النشر
سعيد بندردكة
للتواصل هاتفيا
+212661491292
الثابت و الفاكس
+212537375252
الإيميل
[email protected]
مدير النشر
سعيد بندردكة
للتواصل هاتفيا
+212661491292
الثابت و الفاكس
+212537375252
الإيميل
[email protected]
في السياق السياسي والإعلامي الراهن، يشهد المغرب تزايدًا في التهديدات من قبل حملات إعلامية معادية تهدف إلى زعزعة استقراره الداخلي والنيل من مصداقيته على الصعيد الدولي. هذه الحروب الإعلامية التي تندرج ضمن حروب الجيل الرابع، تتمثل في استهداف النسيج الاجتماعي والسياسي عبر الأدوات الإعلامية المتطورة ومنصات التواصل الاجتماعي. وبفضل تطور هذه التقنيات، أصبحت وسائل الإعلام، ولا سيما الرقمية، تشكل الأداة الأساسية لشن الهجمات النفسية والإعلامية، بحيث يُستخدم فيها خليط من المعلومات الصحيحة والمغلوطة لخلق حالة من الاضطراب والبلبلة داخل المجتمع.
إن الطبيعة الديناميكية للإعلام في العصر الحالي توفر للمهاجمين أدوات قوية يمكنهم من خلالها التأثير على الرأي العام بسهولة بالغة. هذه الحملات لا تقتصر على تغطية القضايا الاجتماعية أو السياسية في المغرب من زاوية مشوهة، بل تذهب إلى أبعد من ذلك بتصوير الدولة كأنها جهاز قمعي يُمارس القهر والظلم على مواطنيه، وينتهك حقوقهم الأساسية. ومن خلال هذه الاستراتيجية، يتم تصوير المغرب على أنه دولة غير قادرة على معالجة تحدياتها الاجتماعية والاقتصادية، وبالتالي تُزرع بذور عدم الثقة في القيادة السياسية وفي المؤسسات التي تشرف على إدارة الشؤون العامة.
واحدة من أبرز خصائص حرب الجيل الرابع تكمن في استخدامها للأدوات الإعلامية لتوليد حالة من الشك وانعدام اليقين بين المواطنين، خصوصًا في أوقات الأزمات الاجتماعية أو الاقتصادية. ففي المغرب، يتم توجيه هذه الحملات الإعلامية نحو تحريف الحقائق المتعلقة بالقضايا السياسية والاقتصادية، بما في ذلك محاولات إضعاف ثقة المواطن في حكومة بلاده ومؤسساتها، مثل البرلمان والقضاء والسلطات الأمنية. وبدلاً من تقديم هذه القضايا ضمن سياقاتها الحقيقية، يتم التلاعب بالحقائق من أجل تحقيق أهداف سياسية ضيقة.
لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ تُستخدم وسائل الإعلام لتوجيه الهجمات بشكل مباشر ضد المؤسسة الملكية، باعتبارها رمزية للثبات السياسي والاستقرار في البلاد. في هذا الإطار، يتم تصوير الملكية المغربية كجزء من نظام استبدادي، وهو ما يتناقض مع حقيقة كون المؤسسة الملكية في المغرب تُمثل عنصر التوازن بين مختلف الأطياف السياسية والاجتماعية في البلاد. من خلال هذا الهجوم الممنهج، يتم السعي إلى إضعاف هذه المؤسسة التي تعتبر من ركائز الاستقرار المغربي.
وفي هذا السياق، تبرز أهمية تحليل تأثيرات هذه الحروب الإعلامية على استقرار الدولة من منظور علم السياسة. فكما هو معروف في علم السياسة، تُعتبر وسائل الإعلام أداة فعّالة في تشكيل الرأي العام، وبالتالي يمكن استخدامها كأداة للهيمنة والسيطرة النفسية على المجتمع. إن استخدام الإعلام كوسيلة لتفكيك الثقة في الدولة المغربية يعني أن هذه الحروب ليست مجرد هجوم على المؤسسات، بل هي محاولة لإعادة تشكيل تصورات الشعب عن الواقع السياسي والاجتماعي.
في إطار هذه الحروب الإعلامية، تُستخدم أيضًا شخصيات مغربية من الخارج و من الداخل، سواء كانوا معارضين سياسيين أو ناشطين في مجالات معينة مثل مجال حقوق الإنسان، الإعلام و مؤثرين على السوشل ميديا، لترويج هذه الرسائل التضليلية. فهذه الشخصيات، _التي قد تكون في بعض الأحيان ضحية لتأثيرات خارجية أو تجنيدها لأغراض سياسية بمقابل مادي او امتيازات ما أو محاولة منهم للإحتماء بالجماهير من خلال كسب تعاطفهم_تساهم في نقل الروايات المشوهة والتي تستهدف الإضرار بمصداقية الدولة المغربية في الخارج. كما يتم استغلال منصات التواصل الاجتماعي لتوسيع نطاق هذه الرسائل، والتي يمكن أن تنتشر بشكل غير محدود بسرعة، مما يزيد من قدرتها على التأثير في الرأي العام.
ويجب أن نأخذ في الحسبان أن أحد الأهداف الاستراتيجية لهذه الحروب الإعلامية هو خلق انقسامات داخلية تؤدي إلى تفكيك الوحدة الوطنية المغربية. يتم التركيز على إبراز الهويات الفرعية، سواء كانت جهوية أو عرقية أو دينية، بهدف تقويض الولاء الوطني العام. من خلال تصوير الدولة كمجموعة من الأجهزة القمعية المتنازعة، يسعى الأعداء إلى نشر الفرقة بين الشعب المغربي وتحفيز شعور بالإحباط العام من النظام.
من خلال هذا يمكن القول إن الهدف النهائي للحروب الإعلامية التي تستهدف المغرب ليس فقط إضعاف ثقة الشعب في مؤسساته، ولكن أيضًا التسبب في شرخ اجتماعي وسياسي عميق. ولذلك، فإن التصدي لهذه الحروب يتطلب تدخلًا من الدولة لتعزيز الإعلام الوطني القادر على مواجهة هذه الهجمات الفكرية والنفسية. علاوة على ذلك، فإن تعزيز المناعة الاجتماعية من خلال تحسين الشفافية الحكومية وتعميق المشاركة الشعبية في اتخاذ القرارات من شأنه أن يكون له تأثير كبير في تقليل فعالية هذه الحملات الإعلامية.
من الناحية أخرى يُستحسن للمغرب تعزيز دوره على الساحة الدولية من خلال دبلوماسية إعلامية تعتمد على تقديم الحقيقة وتعزيز صورة الدولة بشكل متوازن، وفضح التضليل الإعلامي الذي يتعرض له في الساحة الدولية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للمغرب أن يستثمر في تطوير إعلامه الداخلي ليكون قادرًا على تقديم سرد يتسم بالموضوعية والتوازن، وتحقيق تفاعل أكبر مع الجمهور من خلال تحسين أساليب التواصل الحكومي.