مدير النشر
سعيد بندردكة
للتواصل هاتفيا
+212661491292
الثابت و الفاكس
+212537375252
الإيميل
[email protected]
مدير النشر
سعيد بندردكة
للتواصل هاتفيا
+212661491292
الثابت و الفاكس
+212537375252
الإيميل
[email protected]
الحلقة الأولى
بقلم: الريكي عبدالحق
يشكّل رحيل السي أحمد الزفزافي محطة جديدة في تاريخ الريف وفي الذاكرة الجماعية لبلادنا. ففي الوقت الذي غادر فيه القادة الثاني والثالث والرابع للحراك مدينة الحسيمة نحو أوروبا أو مدن مغربية أخرى، تبقى الخلافة قائمة، أحياناً من خلال أبناء صغار صاروا رجالاً اليوم، لكن بنفس العمق. أما الشيوخ، فلم ينسوا أن الحراك بدأ مع «مقتل» محسن فكري، وأن صرخة الكرامة لا تزال تجد صداها في قلوب الريفيين.
اليوم، ناصر الزفزافي، الشخصية المركزية في الاحتجاج، مريض كما أظهرت الصور الأخيرة. وهذا ما يضفي طابعاً أكثر مأساوية على رحيل والده، الذي مثّل طوال سنوات السند النفسي والمعنوي له ولرفاقه.
أنا، ومن الرباط، أُحلّل هذه الخسارة بعيون الذاكرة والتاريخ. فالسي أحمد لم يكن مجرد والد ناصر: بل كان يحمل بدوره مساراً سياسياً لا يُنكر. لقد قدّم الكثير لعبد الكريم الخطابي، والتحق مبكراً بصفوف الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ثم الاتحاد الاشتراكي، في فترة كان فيها النشاط السياسي ممنوعاً بالحسيمة. كان التزامه هادئاً لكنه راسخ، ممتداً في تقاليد الريف الطويلة في المقاومة والكرامة.
لم يكن السي أحمد رجلاً عادياً. كان شاهداً على مرحلة دقيقة من تاريخ المغرب، مؤمناً أن التغيير لا يمر فقط عبر الشعارات، بل أيضاً عبر التربية، الصبر، وغرس قيم الكرامة في أبنائه. كان له أخ في تطوان اختفى في ظروف غامضة، وكان الراحل يلقبه بعبارة «عزيزي» – أي العم – بدافع اللباقة، وهي إشارة إلى أن الفقدان كان جزءاً من تجربته الحياتية، كما هو حال كثير من عائلات الريف.
أما أنا، فقد رأيت ناصر لبضع ثوانٍ في الحسيمة لألتقط صورة، كما رأيت والده لبضع دقائق في الرباط. حاولت أن أراه هذا الصيف لكن دون جدوى، رغم وضعي الصحي المتدهور. لكنني أحتفظ من هذه اللحظات القصيرة بصورة رجل صلب، هادئ، يعرف أن السياسة ليست ضوضاءً فقط، بل أيضاً صمود يومي.
إنها لزوجته وأبنائه أن يرووا قصته بتفاصيلها. لكن قبل ذلك، لنعمل جميعاً على أن يستعيد ناصر حريته رفقة باقي قادة حراك الريف وكل المعتقلين السياسيين وأصحاب الرأي. ومع ذلك، فقد بدأ بعضهم على «فيسبوك» في سردها، كلٌّ بذاكرته وكلماته.
إن رحيل السي أحمد يذكرنا أن نقل التاريخ لا يجب أن يتم في صمت، بل عبر الشهادة، والكتابة، والذاكرة المشتركة. فهو ينتمي إلى جيل حمل عبء النضال بصمت، دون بهرجة، جيل لم يترك لنا فقط تاريخاً سياسياً، بل أيضاً دروساً في الصبر والإصرار. وها نحن مدعوون، نحن أبناء الريف وأبناء المغرب جميعاً، إلى أن نواصل حمل هذه الشعلة، كي لا يضيع المعنى ولا تُطمس الذاكرة.
إن رحيل السي أحمد يذكرنا أن نقل التاريخ لا يجب أن يتم في صمت، بل عبر الشهادة، والكتابة، والذاكرة المشتركة. فهو ينتمي إلى جيل حمل عبء النضال بصمت، دون بهرجة، جيل لم يترك لنا فقط تاريخاً سياسياً، بل أيضاً دروساً في الصبر والإصرار. وها نحن مدعوون، نحن أبناء الريف وأبناء المغرب جميعاً، إلى أن نواصل حمل هذه الشعلة، كي لا يضيع المعنى ولا تُطمس الذاكرة.
ولعلّ ناصر، الذي تحمّل عبء الحراك ووجد في والده «عيزي أحمد» سنداً راسخاً، يجسّد اليوم امتداد تلك المسيرة. وكما يقال: «ذلك الشبل من ذاك الأسد».
بقلم: الريكي عبدالحق
الرباط، 24/09/2025