Afterheaderads-desktop

Afterheaderads-desktop

Afterheader-mobile

Afterheader-mobile

اسبانيا ابتلعت الطعم والمغرب يتبع سياسة “اضرب المربوط يخاف السايب” بقلم: عبد الهادي مزراري..

كثر الحديث في هذه الأيام عن العلاقات المغربية الإسبانية بسبب قبول مدريد دخول زعيم البوليساريو ابراهيم غالي أراضيها وبهوية مزورة ومحاولة التستر عليه. ما أثار حفيظة الرباط ودفع بها إلى مطالبة السلطات الإسبانية بتوضيح مواقفها، خاصة أن ابراهبم غالي متابع أمام القضاء الإسباني بقضايا ذات الصلة بالجرائم ضد الإنسانية من اغتصاب واختطاف وتعذيب وقتل.

من جهتها، استخفت السلطات الإسبانية في البداية، من ردة الفعل المغربية، وقالت وزيرة الخارجية أرانشا غونزاليس لايا “بأن الأمر بتعلق بمبادرة إنسانية ولا تتوقع مدريد من جارها العزيز سوى تقبل الأمر”.

لكن الرد من المغرب كان بجرعة زائدة حيث استدعى سفيرته في مدريد، وبدأت الامور تزداد تعقيدا. وخرج وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة يوضح أن الحكومة الإسبانية ارتكبت عملا منافيا لروح الشراكة ومتناقض مع مستوى العلاقات بين البلدين، فضلا عن كونها قامت بخرق سافر عندما استقبلت شخصا متهما وبهوية مزورة وحاولت التستر على وجوده فوق أراضيها.

إلى هنا تطرح أسئلة محيرة، ألم يكن بإمكان إسبانيا رفض استقبال زعيم البوليساريو وتفادي كل هذه المشاكل؟

ألم يكن حري بالجزائر أن ترسل إبراهيم غالي إلى بلد آخر غير إسبانيا؟ وبالتالي أليس ممكنا أن يكون نقل ابراهيم غالي إلى إسبانيا جاء بعد رفض دول أخرى استقباله للعلاج؟

الخطة من بدايتها هي من نسج النظام الجزائري، ومن أجل الجواب على هذه الأسئلة لا بد من الرجوع إلى الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم إلى مدريد في نهاية مارس الماضي، والدعوة التي أطلقها من هناك لجعل إسبانيا الراعي الأساسي لما يسميه “حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير”، بسبب علاقة إسبانيا الإستعمارية بالصحراء.

في حينها رفضت إسبانيا في العلن الطلب الجزائري، لأنها كانت في حال القبول ستعرض مصالحها في المغرب إلى الاصطدام بالحائط، لكنها في السر واصلت حركاتها المناوئة للمغرب والتي تعتقد أن المغرب لا يراها أو ربما يراها ويألفها.

من وجهة نظر النظام الجزائري، كان لابد من إقحام إسبانيا بأي شكل من الأشكال في الصراع المباشر ضد المغرب، وكانت هناك نقطة موجعة مشتركة بين جنرالات الجزائر والساسة الإسبان، وتتمثل في الحظوة التي نالها المغرب لدى الولايات المتحدة إثر الاعتراف الأمريكي بالسيادة المغربية على الصحراء في العاشر من دجنبر 2020.

بالنسبة للنظام الجزائري كانت الضربة قاسية، خصوصا أنها جاءت بعد واقعة الكركرات، وبعد فضيحة المعارك الوهمية لجبهة البوليساريو، وبداية تصدع الجبهة من الداخل، وتزامن كل ذلك مع عودة الحراك الشعبي للتظاهر ضد الحكم العسكري في البلاد.

أما بالنسبة للساسة الإسبان فمشكل الصحراء الذي يبتزون به المغرب بدأ بعد الاعتراف الامريكي ينفلت من بين أيديهم، ولهذا سارعت مدريد ومعها برلين وبعض الأصوات في الاتحاد الاوروبي إلى محاولة تهجين الموقف الأمريكي وانتقاده. لكن محاولاتهم باءت بالفشل، خاصة بعد استمرار إدارة جو بايدن في دعم القرار الذي اتخذته الادارة السابقة على عهد دونالد ترامب.

من هنا التقت نوايا النظام الجزائري مع نظيرتها لدى الساسة الإسبان، وفي ما يشبه وجبة العشاء التي تجمع بين أفراد عصابتين متفقتين على الشر، لكن الأمان معدوم بينهما، وضع النظام الجزائري الفخ للساسة الإسبان فابتلعوا الطعم بكل غباوة، معتقدين أن استقبال زعيم البوليساريو لن ينكشف أو حتى في حال انكشافه فالمغرب متعود على المواقف المستفزة من بعض شركائه الأوروبيين.

هنا ارتكب النظام الجزائري خطأ فادحا، ففي الوقت الذي ظن أنه سيحاصر المغرب من الشمال بخصم مثل إسبانيا ومن الجنوب بخصم مثل موريتانيا سوف يقطع الطريق على الرباط في الاتجاهين الأوروبي والإفريقي.

لكن في الواقع قدم النظام الجزائري بهذه الخطوة فرصة للمغرب ليقول لإسبانيا “مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس”.

لم يكن جنرالات الجزائر يعرفون بأن المغرب لديه خطة متقدمة على طريقة تفكيرهم في إدارة الصراع، وإن الرباط أصبحت تعمل بسياسة “اضرب المربوط يخاف السايب”.

إسبانيا مرتبطة بمصالح على مد البصر في المغرب، وتستفيد من كافة الاتفاقيات في الصيد البحري، والنقل، والتصدير والاستثمار ، فضلا عن كون المغرب يشكل بلد عبور للبضائع القادمة من وإلى اوروبا وإفريقيا.

لم تتوقع مدريد أن أزمة سياسية ستنشأ بين البلدين بسبب فعل كان مثل الجمرة تحت التبن، وكانت تنتظر فقط من ينفخ عليها لاندلاع الشرارة الأولى.

تقول الرباط لا يهمها أمر إبراهيم غالي في إسبانيا أو خارج إسبانيا، بمحاكمة أو بدون محاكمة، ولكن ما يهمها

هو اتخاذ موقف صريح من قضايا المغرب الأمنية والسيادية ومصالحه العليا على قدم المساواة مثلما يتعامل هو مع الشركاء والأصدقاء.

إسبانيا هي من دخلت اليوم قاعة الامتحان بإرادتها وعليها ان تثبث نجاحها في الحفاظ على منطق الشراكة والتعاون مع جارها الجنوبي، ولكي تنجح عليها أولا أن تتخلى عن نظرة الاستعلاء، فقواعد اللعب تغيرت، هناك أصوات إسبانية سوف تصيح بأعلى طاقتها لإنقاذ العلاقات مع المغرب، ومعنى ذلك انقاذ مصالح إسبانيا في المغرب، فيما يبدو ان هذا الأخير قرر مع ذلك وقبل أي خطوة لإعادة التطبيع أن تكون لضرباته على قفا إسبانيا أصداء لدى آخرين.

طابت أوقاتكم


شاهد أيضا
تعليقات
تعليقات الزوار
Loading...