رحلة شعر وموسيقى إلى أغمات..بقلم/أمينة حسيم

متوجهة إلى إحدى ضواحي مراكش الجميلة، تحركت ثلاث حافلات تشق الطريق الواسعة المعبدة، وبالضبط إلى مدينة أغمات التي تبعد عن مراكش بحوالي 35 كلم، حيث يوجد قبر المعتمد بن عباد، أحد ملوك الطوائف،وزوجته الجميلة اعتماد الرميكية، وابنه ابو سليمان الربيع،الملقب بتاج الدولة ،وحيث يرقد الجميع بين احضان مدينة تاريخية جميلة،بعد نفيهم من الأندلس إلى المغرب مع بناتيه سعدى وبثينة والتي دفنت إحداهما بمدينة تادلة على حسب مايقال.


إلى هذه المدينة الضاربة في عمق التاريخ ،حيث الحكايات كثر،والقصص شتى، والأشعار تحكي عن زمن ولى ،ضاع فيه الأنس والملذات والرونق والجمال،وحل محله الحزن والألم واسترجاع ذكريات أندلسية كانت تنسج ذاك المجد الذي لن ينساه التاريخ، ولن تنساه أقلام الشعراء ولا أحاديث الرواة أو ريشة الفنانين، أو فتيات جميلات ملاح، يقمن بين الحين والآخر بزيارة الضريح، وهن يقرأن في صمت وهدوء داخلي، تلك الأبيات الشعرية التي كتبت في صدر الضريح على لوحة رخامية بيضاء، تمد نورها نحو تلك الأرواح التي دفنت في أرض ما كانت تتوقع أبدا أن تدفن فيها.
إلى هذا المكان التاريخي الطبيعي الجميل الأخاذ ،حج الشعر،وتدفقت الموسيقى، وانساب الجمال يتبعه الجمال، والسحر يسبقه السحر سبحات إلى أغمات…هذا المكان الذي اختارته دار الشعر ،ليكون روضة يتلألأ فيها الهايكو،وتصدح فيها الموسيقى، وترقص فيها الريشة بعذوبة وسحر، فتتلوى الألوان بدرجاتها، والخطوط بأطيافها، على نغم تشكيلي،يكون في اللامنتهى قصة زوج، ملك، شاعر ،وزوجة، شاعرة حكيمة،صابرة،عرفت كيف تحيا مع زوجها حياتين بلونين متناقضين،متباينين ومختلفبن ،حياة البذخ والرخاء والرفاه في أجمل القصور،وحياة الحزن والالم والعذاب والمشقة والمرارة في أضيق الأماكن .
إلى أغمات حجت دار الشعر،وحج الشعراء ،وحجت الموسيقى،فكانت أول رنة على أوتار العود للموسيقي خالد بدوي، بعد زيارة ضريح المعتمد بن عباد،وبيت المعتمد الذي تزينه لوحات تشكيلية بمنتهى الروعة والجمال، تحكي بريشة الرسام التشكيلي فوزي البصري سيرة ملك إشبيلية،وحكايات ليال شعرية دافقة بالحب،والأحاسيس العذبة،التي يزيدها ضوء القمر سحرا وبهاء ووجودا سرمديا يليق بزوجين شاعرين،يفيضان مجازا واستعارة وتشبيها وجناسا رائعا لايضاهى..


في حديقة بيت المعتمد،وبعد تهيئة شاعرية لمدير دار الشعر،الأستاذ عبد الحق ميفراني،صدحت أوتار العود بأنامل خالد البدوي،زادها جمالا تناغم الصوت والموسيقى مع قصة الأشواق للشاعر عبد الرفيع الجواهري،وتموجات صوت المرحوم محمد الحياني، ليلتقي الحاضر بالماضي في توليفة جميلة،عاش معها حضور بيت المعتمد لوحة فنية جميلة بصوت الموسيقي والملحن الأستاذ خالد البدوي،الذي أتحف الحاضرين بلحن موسيقي من إنتاجه بعنوان (سحر الأندلس،) ووصلات موسيقية للمرحوم سعد الشرايبي،ليزدان المكان بعدها بقصائد الهايكو أو الهانيكو لكل من الشاعر نور الدين ضرار، الذي ألقى تحت ظل أشجار وارفة وبضع قطرات مطر صورا متعددة من قصائد الهايكو بمبان فصيحة واضحة،ومعان انسيابية تنهل من الطبيعة آنا،وتنحو منحى التفلسف والوجودية آنا آخر ،وجاءت الشاعرة لبنى منان على نفس المنوال ،ولكن بقضايا أخرى تستعرض من خلال كلماتها هموم الإنسانية،وآلام بعض البشر وقسوة الحياة عليهم تهميشا أو فقرا أو مرضا أو أي شيء مؤلم يجعلهم يقاسون ويعانون في صمت ومرارة، وكانت زجليات الزجال بالزين سعيد الجيداني ذات معنى ومغزى ألهبت عواطف الجمهور الحاضر في حديقة بيت المعتمد،وبات صدر البيت الشعري الأول لقصيدة المعتمد:
قبر الغريب سقاك الرائح الغادي… بعيدا عن الغربة،حيث كانت السقيا شعرا دفاقا،وموسيقى رنانة،وتشكيلا يأخذ بالألباب، ولم يعد صاحب القبر غريبا بعد هذا الدفق الإنساني الوضيء…


شاهد أيضا
تعليقات
تعليقات الزوار
Loading...