تشابه البقر علينا بقلم عبد الهادي مزراري

للبقر مكانة متميزة في تاريخ البشر، وليس عبثا أن نجدها في كل مناحي حياة الإنسان في الدين والثقافة والاقتصاد وفي السياسة. ولا عجب أيضا أن يرتبط وجودها بأحداث فارقة في محطات كثيرة من عمر الحيوان الناطق (الإنسان).

عندما شاهدت بقرا يتجول في العاصمة الرباط، في رمضان من عامنا هذا، أثار المنظر في داخلي قصصا وحكايات لا حصر لها، تذكرت قصة رؤية عزيز مصر والبقرات السبع السمان والاخريات العجاف. تذكرت أيضا البقرة التي أمر الله بني إسرائيل بذبحها للتحقيق في جريمة قتل. وترأءت لي صور من دلهي في الهند حتى ظننت أن الرباط صارت هندوسية.

تذكرت أيضا قصة الفلاح المسكين، الذي وجد جماعة من الرجال يهمون بإركاب بقرة في الشاحنة ولكنها رفضت، فتقدم على الفور لمساعدتهم، مسك البقرة من الحبل وصعد الشاحنة وتبعته البقرة.

عاد منتشيا إلى بيته، وقص على زوجته هذا الصنيع الجميل، فأخبرته بأن اللصوص سرقوا بقرته الوحيدة، فانفجر في ضحك هستيري، إذ بزوجته تقول له:”بقرتنا سرقت وأنت تضحك؟”، قال لها “البقرة عرفتني وأنا لم أعرفها”.

لا أحد بين المغاربة عرف كيف اختفت أبقارنا حتى استوردنا البقر من بلاد البرازيل البعيدة، بينما كنا نظن أن مزارع خضراء منتشرة في البلاد ستوفر لنا الأبقار والكلاء واللحوم والحليب وما تشابه منه؟.

لا داع للجواب على هذا السؤال السياسي المثير للقلق، لأن السؤال الجميل هو: كيف وصلت تلك البقرات الرمادية إلى قلب العاصمة، تركض يمنة ويسرى، تسابق سيارات الأجرة الزرقاء الفاقع لونها، والناس ينظرون إليها في دهشة واستغراب؟

هذا سؤال مهم، يعادل السؤال المطروح بشأن الوثائق السرية العسكرية الصادرة عن البنتاغون، الاسبوع الماضي، هل سربها أحدهم أم أنه تم تسريبها عمدا؟

هل بقرنا، عفوا البقر البرازيلي، الذي استوردناه، هرب من المسلخ أم تم تهريبه عمدا وإطلاق سراحه في قلب العاصمة؟

في كلتا الحالتين، أدى الحادث وظيفة لا تخطر حتى على بال إبليس. ففي الوقت الذي عجت مواقع التواصل الاجتماعي بانتقادات شديدة اللهجة للبقر البرازيلي، الذي اتهمه خصومه بالمرض، ظهر في الرباط يستعرض عضلاته ويطرد المارة وهو في أتم قوته وعدوانيته. وكأن أحدهم قال له “أخرج عليهم، فلما رأوه قالوا ما هذا ببقر مريض”.

انتشرت مقاطع الفيديو كالنار في الهشيم، واستأنس المغاربة بهذا المشهد في انتظار أن يستئنسوا بالبقر البرازيلي ويبادلونه الحب المطلوب.

لكن المشكل ليس في جنسية هذا البقر، فالبقر تشابه علينا، إنما الأمر المثير للجدل كونه ارتبط بحكومة تتكون من حمامة وجرار وميزان، وكلها رموز عجيبة، يدل أولها على السلام، وثانيها على الحرث، وثالثها على البيع والشراء، ويفترض أن تكون قيادتها بردا وسلاما على المواطنين في هذا الشهر الفضيل الذي تفضلت فيه اللحوم والخضروات بعرض نفسها بأثمان سمان.

ما نخشاه أن نكون في عام البقر، والبقرات ليست دائما علامات حميدة، فهي بحسب ما ظهرت عليه، وقد تكون فأل سوء، ولهذا يجب أن نكون حذيربن ونكثر من اللطف وطلب السلامة.


شاهد أيضا
تعليقات
تعليقات الزوار
Loading...