في انتظار الآتي .. شهية طيبة .. ايها الأعزاء

كرهت  الكهوف الباردة  التي تحتضن عجوزا بدون حطب ونار في بلد فيه شتان بين من  يموت بالتخمة ، ومن يحيا ببقايا اللصوص والسماسرة  والخنازير ..

سئمت العيش في  غرفة ينام فيها اكثر من أربعة نفوس . كرهت جبروت الأكبر ، وخنوع الأصغر ، وسطوة الأهل ، والذكر في مجتمع نسي أن القلوب ملجأ ومدرسة للحب والعبر . .

كرهت الجلوس على عتبات الأبواب وحيدا أواسي ركلات الأقدام  ، وجبروت الجهلة ، ومكر النساء المشعودات  والأشرار ..

سئمت كوابيس البكاء أمام حصان  يتخبط موتا وسط الزبد ، ويلهث أمام عيون المارة وقسوة الجلادين .. كرهت تلك العربات التي كانت تحمل أجسادا منهوكة ، تجرها الأفراس وهي تتسابق من حر الظمأ ، والجلد ، والصهيل من أجل قوت أهل البؤس ، ومدن القصدير ..

لا تخف يا أمسي ! لن أحاكمك ، ولن أطلب منك تعويضا او شفقة ، بل إنني فقط أداعبك وأنظر في مرآتك لأتحسس نذوبي  وكمدات كياني لعلني أخنقك  بين  ثنايا البوح والنسيان . إنني فقط أدق النواقيس الصامتة وأنا أتأمل في قمرك الذي مر من هنا حزينا صامتا ، وفي شمسك الحارقة التي نزعت عني سترتي ، وأسمالي لتفضح  أثار السياط  على جسدي الذي أصبح بكثرة الجلد خرائط تضاريسها الحزن والغضب  ..

إنني فقط يا أمسي أذغذغ كياني .. أبوح بقصص وحكايات تواسي خاطري ، وكياني ، وتسليني كخرافات العجائز على سرير نوم النساء ، ومطارح البؤساء ..

لا تخف يا أمسي الجميل ! لقد أحببت فيك نفسي ، وهذه الأنا بكل ما فيها من قوة وضعف ، من شر وخير ، من قبح وحسن ، ومن تهاون وإصرار .. أحببت فيك رقعي على ملابسي البالية ، واقدامي الحافية ، وفرحي الممزوج بكعكة المعجون المخدر المصنوع من بقايا حبات “الكيف ” والعسل والطحين ..

أحببت فيك وحدتي ، وكراهيتي ، ومقاومتي للجلادين ، والأشرار الذين نسوا بأن قامتي ستنمو ، وستشرئب إلى السماء لتسأل عيونهم عن البارحة ، ولتستهزأ من غفلتهم والنسيان ..

أتتذكر يوم وقفت امام السياط اتأمل فيها ، وهي معلقة هناك في الركن على مسامير صدئة كلون بشرتي عند  بائع الحبوب ، والذرة ، والقمح ، والشعير ؟ أتتذكر حين أصبح ظهري ، وظهر الحصان سيان فامتزج الصهيل بصراخي ، وبشكوى أمي إلى الاله النائم  في ملكوت سماواته ؟

أتتذكر ذلك المساء حين رمت يدها في تلابيبها ، وأعطت الخفاش بقشيشا لكي يسقط في غرامي فأحبني في لمحة البرق حتى منتهى  الغنج  والدلال ، ثم أهداني فرحا ، وجعلني ملاحا يقود سفينة الأيتام ، وتاه سوطه بعيدا عني بين الأنام ، إلا أنه فجأة عاد ليزحف كالأفعى مرة أخرى ، وعاد بحفيفه ليلسعني  بقوة  في ليلة اكتمل فيها البدر فرماني في البحر حين غاب لمعان درهم والدتي الفتان ، فتخاوى السوط وجلدي بين الصبر ، والتحدي ، والتحمل والعصيان … أتتذكر ؟

  لقد مر الخفاش يا أمسي أمامي اليوم حين كبرت  في حالة  عليل .. تأملت فيه طويلا ، وأشفقت على حاله حين عانقني بقوة ، وأخبرني والدمع  يجري في مقلتيه بأنه لم يدق النوم من زمان ، وأن  كوابيسه هلوسات ، وأشباح سوداء كليلة بلا قمر ، ولا مصابيح ، ولا أنوار 


شاهد أيضا
تعليقات
تعليقات الزوار
Loading...