Afterheaderads-desktop

Afterheaderads-desktop

Afterheader-mobile

Afterheader-mobile

هل تجسس المغرب فعلا على فرنسا والجزائر؟ بقلم: عبد الهادي مزراري

أثيرت فجأة قضية يتهم المغرب فيها بالتجسس على اتصالات مسؤولين وصحافيين في كل من فرنسا والجزائر، باستعمال نظام معلوماتي من صنع إسرائيلي، ومصدر هذا الاتهام هو منظمة العفو الدولية وفوربيدن ستوريز، وتسارعت وسائل إعلام في الدولتين إلى نشر الخبر والتعليق عليه من زاوية التحريض والتشهير.

من جهته، نفى المغرب بشكل رسمي القيام بأي عملية تجسس مفترضة، ورفع دعوى قضائية ضد المنظمتين المذكورتين، بعدما طالبهما بتقديم الدليل على التهمة التي روجا إليها ضده.

إلى حدود هذه التطورات، لا تبدو الصورة غير ما هي عليه “اتهام المغرب بالتجسس على مسؤولين وصحافيين شملت الرئاستين الفرنسية والجزائرية وحوالي 6000 شخصية أخرى في عالمي السياسة والإعلام والأمن”، وهي تهمة تذكر بحالات مشابهة وجهت فيها اتهامات مماثلة إلى الولايات المتحدة الأمريكية بالتصنت على اتصالات رؤساء دول ضمنها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، واتهامات أخرى ضد الإمارات العربية المتحدة بالتجسس في منطقة الخليج، واتهامات مشابهة ضد روسيا باختراق انظمة الاتصال الإلكترونية الامريكية، وأيضا اتهام الصين بالتجسس على دول غربية من خلال انظمة الاتصال الرقمي.

لكن بعد التعمق شيئا ما في التهمة المنسوبة إلى المغرب، يبدو أن هناك حالة من إثنتين، الحالة الأولى أن المغرب صارت له قدرة على اختراق الدول والتجسس على زعمائها واجهزتها الأمنية، وهذا موضوع آخر للنقاش، والحالة الثانية أن شيئا ما يحاك ضد المغرب لضرب مصداقيته ونسف سياسته الخارجية.

مع تأكيد المغرب نفيه أي عملية تجسس من هذا القبيل، وبعد تتبع الخيوط المتدلية من هذا الاتهام، وتحليل الخطابات التي تنشرها الصحافة الموالية للنظام في الجزائر، وأيضا ما تنشره وسائل الإعلام الفرنسية، بدأت الصورة تتضح على رسل ثلاث أسئلة لا بد من طرحها:

أولا، لماذا ورد في تقرير المنظمتين تهم بتجسس المغرب بالتحديد على فرنسا والجزائر، ولم ترد تهم تجسسه مثلا على بريطانيا والولايات المتحدة وروسيا ودول أخرى؟

ثانيا، أليس من المثير للشبهة أن يصدر هذا التقرير في هذا التوقيت بالذات في حين تتضمن التهمة عمليات تجسس مفترضة منسوبة للاستخبارات المغربية تعود إلى عهد الرئيس بوتفليقة؟

ثالثا، هل من المستبعد أن تكون التهمة المنسوبة إلى المغرب مشروع مشترك بين النظام الجزائري ومسؤولين فرنسيين، في محاولة لدفع باريس للاصدام بالرباط؟

للجواب على هذه الأسئلة، لا بد من تتبع الخطوات التي يجري اتخاذها في كل من الجزائر وفرنسا، فالظاهر للعيان أن النظام الجزائري، بعد تلقيه ضربة على القفا في موضوع حق تقرير مصير شعب القبايل، الذي اثاره المغرب خلال اجتماع دول حركة عدم الانحياز الاسبوع الماضي، يسارع (أي النظام الجزائري) بكل ما لديه من قوة لإبطال مفعول الدعوة المغربية من خلال إثارة الشكوك حول الديبلوماسية المغربية وادوات عملها السرية والعلنية.

من جهة أخرى، يحاول النظام الجزائري، بعد فشل مخططاته في كل من برلين ومدريد أن يلعب ورقته الأخيرة في باريس، صحيح أنه لم يرسل هذه المرة أحد للعلاج في فرنسا، كما فعل عندما أرسل الرئيس تبون إلى ألمانيا وفاوض بالمناسبة على موقف ألماني معاد للمغرب، أو كما فعل عندما نقل زعيم البوليساريو ابراهيم غالي إلى العلاج في إسبانيا بهوية مزورة وراهن على موقف إسباني مناهض للمغرب.

بعدما انقلب السحر على الساحر، في كل من برلين ومدريد، يحاول النظام الجزائري استخدام الورقة الفرنسية، وتوريط الرباط في نزاع مع الإليزي. والدليل على ذلك يظهر في سداجة الاتهامات الموجهة إلى المغرب، فالنظام الجزائري المستهدف افتراضا لا يريد أن يكون بمفرده الضحية بل هناك إلى جانبه قصر الإليزي، وهنا مربط الفرس.

السؤال المطروح، هل الرئيس الفرنسي مانويل ماكرو، الذي يتهم المغرب بالتصنت على هاتفه، مقتنع فعلا بأن الاستخبارات المغربية تجسست عليه؟

هناك جواب صحيح بين احتمالين:

الجواب الأول، هو أن الرئيس الفرنسي ماكرون، الذي أعلن أنه غير رقم هاتفه الذي كان موضوع التجسس، صدق فعلا أن الاستخبارات المغربية تتصنت على مكالماته، وأنه تلقى توصيات من أجهزة استخبارات بلاده باتخاذ الحيطة، وهو في هذه الحالة مفعول به داخل مربع الخطة التي يجري نسجها باتفاق بين أطراف فرنسبة لها مصالح في الجزائر والنظام الجزائري، والهدف هو دفع الرئاسة الفرنسية للاصطدام بالرباط، وتغيير وجهة تحالفها الاستراتيجي نحو الجزائر.

الجواب الثاني، هو أن الرئيس الفرنسي ماكرون عندما أعلن عن تغيير رقم هاتفه، أرسل رسالة إلى المغرب، بأنه يصدق الاتهام ويؤشر لخيارات ما سيقبل عليها، وفي هذه الحالة هو جزء من المخطط الذي يجري نسجه لحشر المغرب في زاوية ضيقة.

طبعا هناك مؤشرات على أن فرنسا التي تعيش على المصالح في مستعمراتها السابقة، لا تنظر بعين الرضا للدور الذي بدأ المغرب يلعبه في إفريقيا، كما أنها غير مرتاحة إطلاقا لتحالفات المغرب الدولية الجديدة، خاصة بعد تقوية الرباط علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وكندا وإسرائيل.

إضافة إلى ذلك، لم تكن باريس مطمئنة وهي ترى ما يحصل لجارتها إسانيا، وهي تحرق اوراقها في الموقد الدبلوماسي المغربي، أو ما جرى لجارتها الأخرى ألمانيا وهي تشاهد وزيرها في الخارجية يتعرض لموقف مهين من طرف نظيره المغربي الذي رفض مقابلته.

فضلا عن كل ذلك، ترى فرنسا أن مصالحها في المغرب معرضة للمضايقة وربما للاضمحلال بواسطة تعدد الشركات المغربية الدولية خاصة الصينية والتركية، وهناك آفاق كبيرة للاستثمارات البريطانية والامريكية.

كل هذه العوامل تجعل فرنسا غير واثقة من نفسها، وغير قادرة على وقف القطار بعد انطلاقه، الأمر الذي يحتمل أنها متورطة في فبركة تهمة ما ضد المغرب بتحالف مع عدوه التقليدي.

الأيام المقبلة ستكشف عن الحقيقة كاملة، قد نشهد توترا في العلاقات بين الرباط وباريس، وسواء كانت فرنسا متورطة في مخطط اتهام المغرب ام لا، فإن المرحلة التي نعيشها هي فترة اختبار الدول لمصالحها تحت العنوان الذي أعلنته الرباط “مغرب اليوم ليس كمغرب الأمس”.

طابت أوقاتكم


شاهد أيضا
تعليقات
تعليقات الزوار
Loading...