تزوير خبرات..تواطؤ..خيانة الأمانة..نصب و احتيال..روائح تزكم الأنوف مصدرها ابتدائية بركان..قضية لحسن عبادي نموذجا..

وقَّع المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة والمجلس الأعلى للحسابات، هذا الأسبوع مذكرة تعاون حول محاربة الفساد وتنزيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.

و تم التأكيد خلال هذا المناسبة على أهمية التنسيق و التعاون والتكامل بين الأطراف الموقعة من أجل تخليق الحياة العامة والشؤون العامة، وإرساء قيم الشفافية والنزاهة، عبر تبادل المعلومات والخبرات وكذا تأهيل الموارد البشرية..
هذه الخطوة الجديدة التي تسعى إلى تقوية ترسانة الحرب ضد الفساد التي بدأ المغرب شنها منذ تسطير مضامين دستور 2011، تصادف حصول جريدتنا على ملف قد يكون الأرض الخصبة لتنزيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة و تطبيق ما جاء في المذكرة الموقعة و تسليط الضوء على كل ملف يشوبه الغموض، و وضع الأمور في نصابها كما يجب.
الملف ثقيل و معنية به كل المؤسسات التي ذكرنا سابقا و تتقاطع به مسؤولياتها، و هي الوحيدة القادرة على رفع اللبس و تحديد المسؤوليات و الوقوف على الحيثيات و الوقوف على كل تفصيلة و كشف عما إذا كانت بها أية شائبة، و نأخذكم إلى مدينة بركان حيث صيغت أطوار هاته القضية.

لحسن عبادي رجل أعمال مغربي هاجر رفقة أسرته إلى هولندا حين كان في عمر الثالثة، قضى خمسون عاما هناك، سرد لنا عن سعيه الدائم إلى النجاح من خلال الاستثمار في مجالات مختلفة، إلا أن حبه لبلده الأم لم يتغير للحظة و ظل دائما مصرا على العودة إلى موطنه الأصلي، و ذلك ما تحقق فعليا، حين قرر عبادي الاستثمار في المغرب و تمركز بعدة مدن و وضع حجر الأساس لمشاريع كبرى و غير اعتيادية، رافقه في هذه الرحلة الاستثمارية شركاء مغاربة و أجانب قادمين من وراء الحدود، دافعهم في ذلك حسب شهادتهم الثقة في تاريخ و مهنية لحسن عبادي، حيث يشهدون له بالمهنية و المصداقية .

إلى هنا الأمور على أحسن ما يرام، لم يواجه لحسن عبادي أية عراقيل أو مشاكل في إرساء سفينة استثماراته و حصل على الرخص اللازمة لذلك، بل أنه يشجع المستثمرين المغاربة و الأجانب على الإستثمار بالمملكة.( صورة من ترخيص ولاية مراكش آسفي لأحد مشاريع المستثمر لحسن عباد).


ستبدأ ملحمة الإستنزاف المادي و المعنوي للملياردير المغربي العائد إلى حضن بلاده حين تلقى مكالمة هاتفية من مستخدم وكالة بنك القرض الفلاحي المتواجدة بشارع مولاي عبدالله بمدينة بركان المدعو م.أ، يخبر فيها لحسن عبادي أن شيكا باسمه يحمل مبلغ 650 مليون سنتيم، تقدم به أخوه محمد عبادي، و هذا هو نص الحوار الذي دار بين مستخدم الوكالة البنكية و لحسن عبادي حسب تصريح هذا الأخير:
المستخدم البنكي: عندك واحد الشيك ديال 650 مليون سنتيم..
لحسن عبادي : واش شي واحد دخلوا فحسابي
المستخدم البنكي:  لا، راه خوك دفع بيك الشيك
لحسن عبادي: لا ما يمكن الشيك مسروق، أنا ما عطيت لخويا والو، عندك ادير شي حاجة، ، ما ادفعوش راني جاي، أنا فمراكش..
المستخدم البنكي: لا..راني دفعتو..بياناتكم
لحسن عبادي: منين دفعتوا لاش معيط لي..
المستخدم البنكي : راه عندك الوقت حتى للثلاثة..
نزل لحسن عبادي فورا من مكان إقامته المتواجد بشارع محمد السادس بمراكش، و اتجه إلى البنك و سحب المال و توجه نحو بركان، و فور وصوله قام بتوكيل محام، و وضع شكاية، و حين وصل إلى الوكالة البنكية، طلب صورة عن الشيك الذي أشار إليه مستخدم الوكالة في اتصاله، كما طلب نموذج التوقيع الخاص به،( سبيسي مين)، حتى يجمع الوثائق اللازمة للطعن في الشيك و إثبات أنه مسروق و أن التوقيع مزور، إلا أن مدير وكالة بنك القرض الفلاحي المتواجدة بشارع مولاي عبدالله بمدينة بركان، رفض مد صاحب الشيك بصورة عن الشيك و نسخة عن التوقيع النموذجي إلى حين توصله بإذن الإدارة المركزية.
و حين سألنا لحسن عبادي عن السبب الذي أجج الخلاف بينه و بين شقيقه محمد عبادي،  صرح لحسن عبادي أن المشكل بينه و بين أخيه محمد عبادي يعود إلى أن هذا الأخير قام “بتزوير وكالة أو وكالات” (نلاحظ في الوثائق أسفله وجود أكثر من وكالة )باسم والدهما المرحوم بوجمعة عبادي ..و الاستيلاء على كافة أمواله و ممتلكاته، و التي قام محمد عبادي بمنحها هبة إلى أخيهم عبدالخالق عبادي، هذا الأخير أعادها إلى محمد عبادي بعد ستة أشهر، على شكل هبة كذلك، و حين علم لحسن عبادي بما فعله أخيه، حجز كافة ممتلكاته إلى حين بث المحكمة و فصلها في الدعوى القضائية التي أقامها ورثة بوجمعة عبادي ضد أخيهم محمد عبادي. 

إضافة أن لحسن عبادي صرح أنه يمتلك  وثيقة إعتراف بدين في حق أخيه محمد عبادي.( الصور أسفله:الإعتراف بدين و صورة عن حكم المحكمة لصالح المشتكي لحسن عبادي ).

و أكد لحسن عبادي أن والده بوجمعة عبادي تعرض لحادث سير منذ سنوات طويلة جعلته عاجز عن الحركة و فقد بصره و أصيب بالذهان و بات لا يستطيع القيام بأبسط احتياجاته اليومية من تنظيف و أكل دون مساعدة شخص آخر..لذلك استغرب لحسن عبادي عن كيف يمكن لوالده منح وكالة و التوقيع عليها و هو غيرقادر حتى على رفع اللقمة إلى فمه، و حتى السجلات التي تم توثيق إمضاؤه بها على الوكالة، مزقت و لا تحمل رقما تسلسليا، مما يطرح عدة علامات استفهام حول من قام بتخريبها.(صور للأب بوجمعة عبادي).

يقول لحسن عبادي أن أخوه محمد وجد نفسه في مأزق، وكالة  مستنسخة و مزورة و سجلات ممزقة، و وجود أكثر من أربعة و عشرين شاهدا و شواهد طبية و صور تثبت أن بوجمعة عبادي عاجز تماما عن منح وكالة أو التوقيع عليها، إضافة إلى اعتراف بدين يناهز مبلغ 576 مليون سنتيم،  مما جعله يحيك مؤامرة ضده لأجل تشتيت الإنتباه عن استيلائه الغير مشروع على ثروة من حق الورثة جميعا الحصول على نصيب منها.(صور السجلات الممزقة).

نعود إلى مستخدم الوكالة البنكية،  الذي تناقضت أقواله حسب المحاضر الرسمية و ابتعدت عن المنطق و ظهرت غير مرتبة في عدة مواضع، فقد أقر أن محمد عبادي جاء إلى وكالتهم البنكية حاملا شيك بقيمة 650 مليون سنتيم موقع من طرف لحسن عبادي في شهر ماي 2017 ثم تابع كلامه قائلا أنه في اليوم الموالي عاد محمد عبادي إلى الوكالة و سلم له شهادة تثبت عدم وجود مدونة أو ما يصطلح عليه بالرصيد، رغم أن الشهادة المسلمة كانت بتاريخ 03/07/2017، “ربما المستخدم لا يفرق بين الأيام و الشهور”،  و في محضر آخر قامت عناصر الشرطة بتقديم ورقة و قلم للمستخدم البنكي م.و، و طلبوا منه كتابة مبلغ 650 مليون سنتيم بحروف لاتينية، حتى يقارنوا بين خطه و الخط الموجود على الشيك، رجوعا إلى إقراره في أحد المحاضر السابقة على قيامه بذلك عدة مرات لصالح محمد عبادي، لكنه نفى ملأه للشيك موضوع النزاع، و بعد انتهائها أكدت الشرطة وجود تشابه بين بعض حروف خطه و الخط الموجود على الشيك موضوع النزاع يمكن ملاحظته جليا بالعين المجرد فقط.

تناقض آخر وقع فيه مستخدم الوكالة البنكية للقرض الفلاحي المتواجدة بشارع مولاي عبدالله بمدينة بركان،  حيث قال في القرلر التمهيدي لمحكمة الإستئناف أنه لم يسبق له أن قام بملأ شيك للمدعو محمد عبادي، بينما في محاضر الشرطة، أقر أنه سبق أن قام بملأ شيكات له لأنه شخص يجهل القراءة و الكتابة.

و حين نطلع على الأمر بالإحالة تستمر تناقضات المستخدم البنكي م.و و تضاف لها تناقضات مدير الوكالة كذلك، حيث صرح هذا الأخير المدعو ع.ك أنه لم يتسلم الشيك أصلا و أن المستخدم هو المسؤول، كيف يعقل ألا يطلع مدير وكالة بنكية على دخول شيك تفوق قيمته نصف مليار سنتيم إلى وكالته، و أن يتم تسليم شهادة عدم وجود رصيد (رغم أنه صرح في محضر آخر أنه وقعها رفقة المستخدم) دون علمه بذلك سواء آنيا أو آنفا بصفته مديرا للوكالة، و في حال غيابه عن الوكالة فلابد من وجود مبرر رسمي، في حال غاب فعلا عن الوكالة رسميا.

و تناقض كلام ع.ك حين أكد في محضر الإستنطاق التفصيلي  أن المستخدم م.و هو من تسلم الشيك و ليس مستخدم آخر كما سبق أن أدلى به في محاضر أخرى، كما صرح مدير الوكالة ع.ك أنه من وقع على شهادة عدم المؤونة رفقة المستخدم البنكي،  التي سلمت في نفس يوم تقدم محمد عبادي بالشيك و هو نفس اليوم الذي قال المدير أنه غائب به. و أكد أنه تواصل مع المستخدم عبر الهاتف فقط، إذا كيف وقعا على نفس الوثيقة و هما يتواصلان عبر الهاتف؟.

و عند الإطلاع على شهادة من بنك المغرب تحدد تاريخ دخول الشيك موضوع النزاع إلى البنك و هو 03_07_2017، بينما كشف الحساب الخاص بلحسن عبادي لا يحتوي على  رسوم الرفض، لماذا نسي مستخدم البنك إتمام عملية تحميل الرسوم؟

امتثل لحسن عبادي إلى وضع كفالة بصندوق المحكمة تعادل المبلغ المسجل على الشيك المتنازع عليه (الوثيقة أسفله)، و هو 650 مليون سنتيم، في انتظار البث في قضية نزاعه و أخيه محمد عبادي على الشيك. و انتظار ما ستبث به الخبرات العلمية التي سندرجها، لضرورة الإطلاع عليها لمزيد من التفصيل و فهم أطوار هاته القضية.

ماذا تقول الخبرات العلمية:

-تقرير الخبرة الحرة عدد: 2020/034 المنجزة من طرف الخبير محمد عزيز الوزاني خبير في الخطوط ملف عقود مختلفة عدد: 2020/1109/606، أثبت أن توقيع الشيك المذكور صادر عن يد مخالفة لخط يد العارض لحسن عبادي.

-تقريرالخبرة الخطية عدد 2019/197 المنجز من طرف مصلحة الخبرة على الوثائق بالقسم الكريمنالستي بالرباط، يؤكد أنه من خلال المقارنات التي تم القيام بها تبين أن التوقيع المضمن بالشيك البنكي موضوع الخبرة يتوفر على خاصيات خطية مختلفة..

و يستمر مسلسل التناقض حيث صرح محمد عبادي الذي تقدم إلى الوكالة البنكية بالشيك موضوع النزاع  في أحد المحاضر أن لحسن عبادي سلمه الشيك بمنزل هذا الأخير بتاريخ 18/05/2017 معبأ بمبلغ 650 مليون سنتيم و موقع من طرف لحسن عبادي و عرضه للسب و الشتم ، و أن المبلغ يدخل في تصفية التركة ، إلا أن محضر إثبات حال يؤكد أن لحسن عبادي كان بتاريخ 18/05/2017 بمدينة أكادير.

و تناقض محمد عبادي في تصريحاته في محضر الإستنطاق التفصيلي مع تصريحاته في محضر الشرطة حول أسباب تسلمه شيك بمبلغ 650 مليون سنتيم من طرف أخيه محمد عبادي،  مرة يصرح أن السبب هو تصفية التركة ، و مرة أخرى يصرح أنه اشترى قطعة أرضية للحسن عبادي و قام ببنائها، موضوع التركة يحمل جانب آخر من التناقض، حيث كان قد حصل على  كل تركة والدهم بوجمعة عبادي  على شكل هبة و من خلال وكالة، عليها ما عليها هي الأخرى، سنة 2008، إذ كيف يعقل أن تصفى تركة هي أساسا غير موجودة،  خاصة إذا كان أحد الطرفين قد قال أنه حصل عليها عن طريق هبة.

و حتى لا نحيد عن المسار، لابد أن نعود إلى البطلين الرئيسيين الذين خطا أول حروف سيناريو هذه القضية، مدير الوكالة البنكية و المستخدم، ففي أمر بالإحالة أكد مدير الوكالة ع.ك حضوره أثناء عملية سحب الشيك موضوع النزاع، و أنه قام شخصيا بالإتصال بالمشتكي لحسن عبادي و أعلمه بعدم كفاية رصيده، و أكد أنه المسؤول الأول عن الوكالة البنكية و مطلع على كل ما يدور داخلها، بينما في محضر للشرطة مؤرخ بتاريخ 27/02/2020  يقول أنه كان غائب أثناء حضور محمد عبادي لتقديم الشيك الحامل لمبلغ 650 مليون سنتيم  الذي ادعى أنه يحمل توقيع لحسن عبادي، و أن مجريات الأمور اطلع عليها من خلال اتصال هاتفي بينه و بين المستخدم م.و..تناقض صريح أليس كذلك؟؟؟

و العجيب في هذه القضية الشائكة أن مدير الوكالة البنكية اعترف بتعمده الإمتناع عن تمكين لحسن عبادي  من نموذج التوقيع الخاص به رغم أنه تقدم له بطلبه عدة مرات، كونه مدير الوكالة البنكية و أنه أعطى الوثيقة للشرطة تحت إصرارها بعد مواجهته بمضامين الفصل 593 من القانون الجنائي المغربي، الذي يعاقب من أخفى وثيقة من شأنها تسهيل البحث عن الجنايات أو الجنح او كشف إدانتها..

هذه ليست المماطلة الأولى التي تتعرض لها قضية لحسن عبادي حسب تصريحه، ففي بداية وضعه لشكايته المؤرخة بتاريخ 03/07/2017 أمام وكيل الملك  و التي تم تسلمها بتاريخ 05/07/2017، كان من المفترض البث فيها في تلك الآونة، لكن لم تتحرك الشكاية حتى بداية الشهر التالي ، شهر غشت ، 28 يوما من التأخير..تجميد شكاية قرابة الشهر..خاصة  أن وكيل الملك بمدينة بركان قد قضى ما يناهز 16 عاما بنفس المدينة و يعلم طبيعة المنطقة جيدا و له من الخبرة ما يجعله لا يهمل شكاية كل هاته المدة، إلا إذا كان السبب أمر إداري ما نجهله.

هذا فيما يخص الإجراءات التي اتخذها لحسن عبادي في بداية نزاعه مع أخيه محاولة منه لإثبات أن الشيك مسروق و مزور، و سعى بعد ذلك للحصول على التوقيع النموذجي لأنه يعتبره الدليل على أن الشيك مزور، حيث صرح لحسن عبادي ما مرة أنه يمكن اكتشاف الخلاف بين توقيعه الموجود على بطاقة التوقيع النموذجي و توقيعه على الشيك موضوع النزاع بالعين المجردة فقط..

و صدر الحكم في حق  لحسن عبادي  بالسجن سنتين نافذة و ما يقارب 162 مليون سنتيم غرامة و تحميله الصائر و أحكام أخرى، و يصادف أن رئيس الجلسة الذي أصدر أحكامه في هاته القضية هو من أصبح قاضيا للتحقيق و سيمر بين يديه مرة أخرى لحسن عبادي في جلسة استنطاق في مواجهة مدير الوكالة البنكية ع.ك و المستخدم م.و.

قضية لحسن عبادي لم تنتهي بعد..

يتبع …….

بقلم/ منى الحاج داهي


شاهد أيضا
تعليقات
تعليقات الزوار
Loading...