Afterheaderads-desktop

Afterheaderads-desktop

Afterheader-mobile

Afterheader-mobile

ليلى أشملال تكتب : الحلقة 30 من سلسلة في زمن الحرب و الجوع ( أسر شهداء حرب الصحراء المغربية 1975_1991) 

بما ان المؤسسات العسكرية تنكرت لمستقبلنا سنتحدث عن الماضي ،الحلقة 30 من سلسلة في زمن الحرب و الجوع ( أسر شهداء حرب الصحراء المغربية 1975 ،1991)

ذات صباح بينما أتناول فطوري، أعلمتني والدتي بقدوم أختي برفقة زوجها ياسين وابنها الذي انجبته قبل شهرين، سررت بالخبر لقد أصبحت خالا بعدما كنت أخا و أيضا أبا لعائلتي بعدما استشهد والدي في حرب الصحراء، قررت عدم العمل هذا اليوم و انتظار وصولهما الذي كان على الساعة الرابعة مساءا، عانقت أختي و صديقي و أمسكت ابن اختي برفق بين يدي، كان صغيرا جدا بملامح بريئة، مخلوق جديد ينظر لي برفق معلنا قدومه إلى هذه العائلة، أقبله أنا أيضا برفق مرحبا بقدومه الجميل رغم حزني عليه من نكران أباه له، هذه ضريبة أن تأتي إلى هذه الحياة!  يجب أن تتحمل كل شيء لأن قدرك سيكون قاسي أحيانا و في أحيان أخرى سيأتي على غير ما تتوقعه، كأن يفاجئك الربيع في ديسمبر حيث تلتهم الشتاء ما تبقى من دفء البيوت الفقيرة التي لا قدرة لجدرانها على مواجهة صقيع البرد!

بعد شربنا للشاي بالنعناع مرفقا بالمسمن وبعض الحلويات التي أعدتهما والدتي، تركت أختي في المنزل بينما توجهت أنا و صديقي ياسين للمقهى كسابق عهدنا، كانت ملامح وجهه متغيرة بدت لي قسوة مدفونة بين تنايا وقسمات وجهه الشاحب، تكلمنا في أمور كثيرة مجملها كانت عن العمل و عن الأوضاع المأساوية التي يتحملها الشعب ويتجاهلها الوطن.

لم أسأله عن سبب حزنه و تغير نبرة صوته التي أضحت خشنة و حادة، تجاهلت الموضوع لكي لا أزعجه، عند حلول الليل قمنا بالرجوع للبيت لنجد الأكلة التقليدية المحببة لي “الرفيسة” في انتظارنا، وجدت متعة كبيرة في هذه اللمة العائلية، التي أضاف اليها بكاء أصغر فرد فينا شعورا جميلا، ذاك الرضيع الذي أحسه قطعة من روحي، تمنيت لو أن أبي كان حاضرا بيننا ليراه ويمسك بين يديه أول حفيد له، لكن هكذا شاء القدر أن يأخد فردا عظيما منا، كانت حياته فداء للوطن و دفاعا عن حوزته.

بعد وجبة العشاء اللذيذة، تبادلنا بعض الأحاديث المسلية، حينما تأخر الوقت ذهب كل منا للنوم، كان يوما جميلا رغم أنه ذكرني ببعض الأشياء الحزينة إلا أن اللمة العائلية أنستني كل شيء إلا غياب أبي الذي نساه الوطن بعد استسهاده ونسانا معه أيضا، لكننا كنا مصرين على عيش هذه الحياة مهما كلفنا الأمر، مثلنا مثل معظم أسر الشهداء الذين فقدوا أهاليهم و من يعيلهم في الحرب، كم أكره تلك الحروب اللعينة التي تفقدنا بهجة و متعة أن يكون لك سند، لأن غالبا ذاك السند و الداعم هو من يضحى بنفسه لأجل الوطن ولأجل لقمة عيش العائلة التي لم تجد ما تأكله بعد وفاته ورحيله، سوى فتات أجاد به الوطن علينا واعتبره جزاءا كافيا لنا عن فقدان من ذهب للدار الآخرة دونما عودة، لأجل استرجاع ملكية تراب و أرض متنازع عليها.

صباح اليوم التالي استيقظت باكرا للبدء في العمل، تجولت في الشوارع كعادتي بمشورعي الصغير الذي أسميه مائدتي المتنقلة، أصادف الوجوه التي سبق و أن تعرفت عليها والتي كتب لي أن أتعرف عليها هذا اليوم بالذات، أصبح عدد المقبلين على مأكولاتي السريعة يتزايد يوما بعد يوم، ما أحصل عليه من مال يكفيني لتغطية جزء كبير من متطلبات البيت وبعض اللوازم الخاصة التي أحتاج إليها، لكن في المقابل لا يتبقى لي الكثير لأقوم بتخزينه و التصرف فيه حينما أصادف أمرا مستعجلا من الأمور الطارئة، أو حتى لكراء محل ما أعرض فيه مأكولاتي عوض عناء التنقل لساعات من زقاق إلى زقاق، لهذه الأسباب بالذات أضاعف ساعات العمل و أخروج باكرا لتقديم وجبات افطارية صغيرة لبعض التلاميذ و الطلبة، أو لسائقي سيارات الأجرة و غيرهم من الزبائن الذي لم يمكنهم ضيق الوقت من الإفطار في بيوتهم و منازلهم.

حلقة كل خميس

من توقيع ليلى اشملال


شاهد أيضا
تعليقات
تعليقات الزوار
Loading...