Afterheaderads-desktop

Afterheaderads-desktop

Afterheader-mobile

Afterheader-mobile

الحلقة 23 من سلسلة في زمن الحرب و الجوع (أسر شهداء حرب الصحراء المغربية) / بقلم ليلى أشملال

بما ان المؤسسات العسكرية تنكرت لمستقبلنا سنتحدث عن الماضي :

مرت أيام وأيام وتوالت الفصول حتى وجدت نفسي أكمل سنتي الأولى في هذه الضيعة المظلمة.

حصلت على بضع أيام راحة تحتسب كإجازة. العطلة القصيرة التي يتناوب العمال في الحصول عليها ونادرا ما تكون مدفوعة الأجر، حسب هواهم أو حسب وضعيتك.

لم أركز كثيرا على فكرة التعويضات المالية، فرحتي بالسفر لمدينتي أنستني بؤس الأشياء الأخرى، صديقي ياسين ينتظر بدوره موعد إجازته كي يصفي ذهنه كما يقول.

– إ متى  غتمشي؟

– هاد العشية

– شوف خود هاد الأمانة وصلها للواليدة من يديك ليديها عندك تعطيها لشي حد آخر من عائلتي

– واخا كون هاني

– سير ترتاح ذابا مع راسك و وجد ليك شي حاجة تاكلها فالطريق.

غادر ياسين الغرفة للإلتحاق بعمله، جمعت بعضا من ثيابي المتسخة، ثم استلقيت على الفراش أفكر في أمي و إخوتي فترتسم ابتسامة عريضة على وجهي الشاحب، لقد اشتقت لأسرتي كثيرا وللحي أيضا والأزقة الفقيرة، هنا كل الأشياء غريبة عني مهما حاولت الإعتياد عليها.

غصت في نوم عميق لم أستيقظ منه إلا على أصوات العمال الذين يغادرون الضيعة بعد يوم من العمل الشاق، أدرك أنها الساعة الرابعة زوالا، غسلت وجهي ثم ارتديت ثيابا جديدة كنت قد اشتريتها قبل مدة من السوق الأسبوعي، لملمت ما تبقى من أغراضي بسرعة ووقفت بجانب باب الغرفة أنتظر وصول ياسين الذي أراه يمشي بخطوات مثتاقلة نحوي، خطواته البطيئة تحكي عن حجم معاناته وتعبه الجسدي….

– صافي غاتمشي؟

– بلا منوصيك أ صاحبي، تهلا فراسك و رد البال

– طريق السلامة خويا، متنساش توصل الأمانة للواليدة

– كون هاني أمانتك غتوصل .

تعانقنا بعد أن ودع كل منا الآخر، في الباب الرئيسي للضيعة وجدت الكابران علي في مناقشة مع أحد رؤساءه، مررت من أمامهما ثم حييتهما بتحية السلام، سمعت صوتا من الخلف يأمرني بالتوقف فالتفتت نحوه، سألني السيد المحترم الهيئة عن وجهتي ثم طلب مني الصعود لكي يوصلني في طريقه، شكرته كثيرا علنا و في قرارة نفسي أيضا، لأنه وفر علي عناء انتظار ” تاكسي”  قد تمر من أمام الضيعة.

نظرات الكابران علي ظلت تلاحقنا حتى اختفينا عن الأنظار، كنت ألاحظ انعكاس تعابير وجهه القاسية على المرآة الأمامية للسيارة، لقد أزعجه الأمر بالتأكيد، نادرا ما أصادف هذا النوع من الرجال الحاقدين والكارهين لكل شيء حتى أنفسهم، والذين لا يتمنون الخير لغيرهم أبدا مهما كان بسيطا لمرض نفسي فيهم أو ارضاءا لشيطان خبيث ينام بداخلهم والله وحده من يعلم بظلام قلوبهم المتحجرة.

– نتا جديد فالخدمة؟

– ياه أسيدي هادي غي عام باش خدام هنا

– ولفتي شوية؟

– ضروري نولفو

– كداير الكابران علي معاكم؟

– مزيان أسيدي كايدير غير خدمتو

– هادشي لبغينا، المهم إلا خصاتك شي نهار شي حاجة أو شفتي شي حاجة غريبة كتوقع فالفيرمة متخاف والو أجي عندي و عاود ليا

– واخا أشاف

– ياكما خاصاك شي بركة د الفلوس؟

– لا عندي لغايقدني الله يكثر خيرك أسيدي

بعد هذا الحوار القصير ساد صمت مريب بيننا، وبعدها بلحظات وجدت نفسي في محطة المسافرين، نزلت من السيارة، بعد أن شكرت هذا الشخص الذي لا أعرف حتى اسمه، ثم توجهت صوب أقرب حافلة ستقلني نحو مدينتي، دفعت ثمن التذكرة ثم صعدت للحافلة، جلست على أول كرسي لمحته عيني، تذكرت نظرات الكابران علي من جديد وربطتها بحديثي المختصر مع الرجل الذي أوصلني إلى هنا، ثم فهمت بعدها سبب تلك النظرات الحاقدة، الكابران لم يرتح لذهابي رفقة رئيسه لأنه كان خائفا أن أشكوه له وأخبره بسوء معاملته لنا، وتجاوزاته الكثيرة في حق معظمنا، كان بإمكاني طبعا أن أقول كل شيء، لكن شيئا ما أنهض مشاعر الإنسانية بداخلي وفكرت لثواني أنني قد أتسبب في تشرد عائلة كاملة إن أنا بحت بكل شيء، هذا طبعا مستبعد لأنهم لن يعاقبوا مسؤولا ما، لأنه يعنفنا جسديا أو معنويا هذا لا يهمهم أبدا، هم يبحثون عن خروقات أخرى كالسرقة مثلا، كل هذه الأشياء جعلتني أختار الصمت و أكتفي بجملة ” مزيان كايدير غير خدمتو”، هذا الجواب الكاذب سيجعلني لا أسقط في فخ ما، أفصل بسببه عن العمل بحجة فضحي للخروقات الإنسانية في ضيعة الشؤم أو تحت ذرائع أخرى كاذبة، لمجرد أنني تفوهت بالحقيقة.

الحافلة تغادر المحطة، انتابني شعور بالنعاس، أسندت رأسي على النافدة ثم أغمضت عيناي وكلي شوق وفرح لرؤية وجه أمي و إخوتي.

من توقيع ليلى اشملال


شاهد أيضا
تعليقات
تعليقات الزوار
Loading...