Afterheaderads-desktop

Afterheaderads-desktop

Afterheader-mobile

Afterheader-mobile

المصطفى الفارح يكتب : السياسة الجزائرية الخارجية بين الغباء والعداء

المصطفى الفارح يكتب : السياسة الجزائرية الخارجية بين الغباء والعداء

التغيرات المتتالية والمتسارعة التي يعرفها العالم جعلت بعض المفاهيم السياسية تتخلخل وجعلت أخرى تفتح أبوابها لتجد مكانا فسيحا لعناصر جديدة أصبحت تشكل الركيزة والضلع القوي لمنظومتها لكي تستمر في الوجود. هكذا تجد الدول نفسها أمام شروط جديدة تحدد وضعها في ساحة الصراع الدولي من أجل البقاء والبقاء هو دائما للأصلح والأقوى والأذكى القادر على التأقلم مع ظروف الحياة الطبيعية وغير الطبيعية.

لقد شكلت الدولة أحدث وأنجع بناء لمجموعة بشرية ، بغض النظر عن طبيعة النظام السياسي القائم في البلاد، وشكل موقعها الجغرافي وجغرافيتها وثرواتها الطبيعية وسكانها (ضرورة استحضار العقيدة والجنس) مصادر قوتها التي تصنع وضعها السياسي الجيوستراتيجي والجيوبوليتيكي .

سياسة الدولة كانت حتى الأمس مرتبطة بالعناصر الأربعة المشار إليها وبما أن الدولة كائن حي فهي تنمو بشكل أو بآخر وتحتاج لعناصر تضمن توازنها واستمراريتها وتطورها وهي في هذا المسعى تصطدم بمساعي أخرى من نفس القبيل فيحدث تشنج وتوتر يستدعي البحث عن تفاهمات وتوافقات تحفظ وتحمي مصالح أطراف النزاع، وقد يصل الأمر إلى حد حدوث مواجهات مسلحة تفرض تحالفات مع قوى أخرى لها اهتمام أو مصالح مشتركة أو تلتقي حول أهداف معينة . إلى جانب السلم يحضر العنف والحرب على مر التاريخ.. الفتوحات الإسلامية، الحروب الصليبية، الحروب الاستعمارية، الحربين العالميتين، الحرب الباردة، صراع الشرق الأوسط، وبؤر توتر كثيرة إقليمية آخرها ليبيا التي تنذر بعواقب وخيمة على السلم الإقليمي في حوض البحر الأبيض المتوسط وشمال إفريقيا وبلدان الساحل وجنوب الصحراء، بالنظر لثرواتها ولجغرافيتها وسكانها وامتداداتهم القبلية العابرة للحدود وفي الدولة .

اعتبر أرسطو في القرن الرابع قبل الميلاد “قوة الدولة مستمدة من توازن ثرواتها مع عدد سكانها ومن موقعها الجغرافي”؛ واعتبر ابن خلدون في القرن 14 الميلادي في مقاربة شمولية -العمران أهم ركائز الدولة يلعب فيها السكان والعصبية دورا محوريا- وكان للقائد بونابارت من موقعه العسكري رأيه الشهير”إن معرفة جغرافية الدولة تعني معرفة سياستها الخارجية”.

هذه كانت البدايات لتأسيس ما سيسمى “الجيوبوليتيك” الذي استعمل كمصطلح من قبل “رودولف كيلين” لأول مرة في كتابه “الدولة مظهر من مظاهر الحياة” سنة 1905 حيث ربط قوة الدولة بعناصر أساسية: الجغرافيا، موقع ومساحة، والقوة الاقتصادية والثقافة. آخرون بعده جعلوا المجال الحيوي محركا للعمل السياسي الخارجي، تم دخلت التكنولوجيا والاقتصاد في تفاعل مع الجغرافيا لتحدد قوة الدولة ووضعها وقدرتها على الصراع من أجل الثروة .

دولة الجزائر الحديثة النشأة ولدت في زمن تم فيه رسم الجغرافيا و المجالات الحيوية للدول، لم تكن حاضرة لكنها حتى ولو تم لها ذلك، لم تكن لتحصل على ما حصلت عليه على يد فرنسا باعتبارها كانت جزءا من فرنسا، هذه الأخيرة عملت على توسيع مجالها الحيوي إلى الحد الأقصى، توسيع وتوسع تم على حساب أراضي وسيادة المملكة المغربية من خلال ضم أجزاء كبيرة من الأراضي المغربية إلى إقليم فرنسا ما وراء البحر “الجزائر”.

الموقف العدائي الجزائري اتجاه المغرب، إضافة لكونه يرمي إلى تحويل الأنظار عن القضايا المصيرية لشعب الجزائر وحقه المشروع في النمو وفي الخيرات والثروات الطبيعية التي تزخر بها بلاده، يهدف بالأساس إلى تكريس الواقع الموروث عن الاستعمار وبهدف آخر هو محاولة تدبير هذا الإرث “الجغرافي السياسي” الذي تسعى الجزائر من خلاله لتكون قوة “جيوستراتيجية” وهو الأمر المستحيل للأسباب التالية:

– عندما تلقف نظام الحكم العسكري الجزائري الكرة “البوليساريو” من العقيد القذافي، اعتبرها سفينة النجاة عبر رمال الصحراء وتحويلا لأنظار الشعب الجزائري عن قضاياه الحقيقية وفرصة للبحث عن وضع جديد أو استعادة الوضع الجيوستراتيجي القديم لفرنسا. غاب عن الجزائر بأن القوة الجيوستراتيجية لفرنسا مستمدة من ثقافتها وتاريخها ومن سيطرتها على ضفتي البحر الأبيض المتوسط ومن حضورها في العمق الإفريقي وبالتالي فلا يمكنها أن تجد “جزائر ما وراء الصحراء” على غرار “فرنسا ما وراء البحار”.

– النظام الحاكم في الجزائر منازع فيه شعبيا وديمقراطيا، وهو يجثم عل صدر شعب الجزائر بالقوة المستمدة من الجهاز العسكري الحاكم الفعلي للبلاد تحت ذريعة كونه الوريث الشرعي للثورة الجزائرية وجبهة التحرير الوطني، هذه الأخيرة استنفدت كل الوسائل من أجل ملء الفراغ السياسي الذي خلفه نظام حكم الحزب الوحيد ولا يبدو العسكر مستعدا فكريا وعقائديا لإشراك فرقاء آخرين في السلطة ولا أدل على هذا مما يصطلح على تسميته بـ “العشرية السوداء” وهي الحقبة السوداء في تاريخ الجزائر بالنظر للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وتصفية كل الأصوات المعارضة في عمليات تمت في جنح الظلام بدعوى محاربة الجماعات الإسلامية الإرهابية. عمليات ترقى لمستوى جرائم ضد الإنسانية .

– حلم الجزائر بإنشاء دويلة صحراوية تكون حديقة خلفية وممرا آمنا إلى المحيط الأطلسي هو حلم مستحيل وينم عن غباء سياسي وجهل فظيع بالتاريخ وبالجغرافيا واستخفاف بوضع المغرب كقوة جيوستراتيجية حقيقية لها شرعيتها من امتدادها عبر التاريخ شمالا في أوروبا بالمرابطين والموحدين في الأندلس ومن خلالها، وجنوبا في دول الساحل والصحراء ودول غرب إفريقيا من خلال الإشعاع الديني والثقافي والحضاري الذي يزداد متانة وقوة بالحضور الاقتصادي والتبادل التجاري وعلاقات التعاون في ميادين مختلفة، وشرقا شكل المغرب عبر التاريخ سدا منيعا في وجه التوسع التركي بل كانت قوته تأخذ بعين الاعتبار من قبل الحكام الأتراك على الجزائر وتجعلهم يستحضرونها في ممارستهم لحكم ولاية الجزائر، وكذلك من خلال موقعه الجغرافي بين المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط وإن كان هذا الأخير يعرف بعض النقص بفعل وضع منطقتي سبتة ومليلية .

طموحات الجزائر أكبر بكثير من وضعها ومن واقعها وتعبر عن تخلف كبير عن ركب التطور، فهي لا زالت تعيش ارتداداتالحرب الباردة في وقت يسير فيه العالم بخطى حثيثة على طريق العولمة وبالتالي ” الجيوعولمة ” كوضعية جديدة تجاوزت “الجيوبوليتيك” و”الجيوستراتيجيك”.

لقد حولت المعلوميات جغرافيا المكان إلى جغرافيا افتراضية لكنها واقعية وأصبح بإمكان المرء ومن خلال نظام معلوميات أن يسافر عبر حدود ويتحاور ويعقد صفقات سياسية وتجارية ويخوض نزاعات وحروب ومعارك من داخل بيته أو مكتبه، كما يمكنه أن يدعو للعصيان أو التظاهر أو التضامن ويقلب موازين قوى صراع ويرغم نظاما على مراجعة قرارات واتخاذ مواقف. لقد أصبحنا أما مجتمع شعبي دولي، لم يبلغ مرحلة الرشد لكنه قريب من الفطام من ثدي الدولة ومن ثدي مراكز ومختبرات تفكيرالنخب المحتكرة للثروة والسلطة، وليس بوسع الجزائر أن تقدم إلا ما تملك وهي لم تراكم بعد من تقاليد الحكم والسلطة و التاريخ والثقافة والنضج السياسي ما يسمح لها بمنافسة المغرب العريق .

لقد دخل العنصر البشري، المجتمع، الشعب في صلب العملية وأصبح ضلعا رافعا رئيسيا لأي قوة ولم يعد الحديث عن الثروة ممكنا دون الحديث عن توزيعها العادل الذي أضحى مطلبا تصدح به حناجر الجماهير في كل المظاهرات والتظاهرات. لقد أصبحت قوة الدولة اليوم تستمد من التوزيع العادل لثروتها بين سكانها وحسن تدبيرها لهذه الثروة بما يضمن النمو والاستقرار لشعبها وفي بعد أكبر امتدادا وإنسانية يضمن نمو واستقرار المحيط القريب والبعيد.

لقد بدا الوعي بأن الجنس البشري مثل الجسد الواحد إذا مس الضر أحد أطرافه تداعت له باقي الأطراف والوباء الأخير، كوفيد19، يشكل العبرة والمثال وكذلك التضامن العالمي الكبير ضد العنصرية والميز بسبب مقتل المواطن الأمريكي ” فلويد”.

بقلم : المصطفى الفارح


شاهد أيضا
تعليقات
تعليقات الزوار
Loading...