ماذا فعل ماكرون في الجزائر؟ زيارة في خانة الربح والخسارة / بقلم عبد الهادي مزراري

أسالت زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الجزائر الكثير من المداد، وتطرق إلى مضمونها محللون ومفسرون، والسبب في أهميتها أنها جاءت وسط زوبعة من المشاكل الإقليمية والدولية، وزاحمتها تطورات مقلقة بالنسبة للدولتين معا.

تعاني فرنسا في محيطها الأوروبي من تراجع خطير، بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا حيث ما من صوت يسمع الآن سوى الصوت الأمريكي الذي يتردد صداه في القارة العجوز من شرقها إلى غربها.

دفعت هذه الحرب كل بلد في أوروبا على حدة للبحث عن حل لأزماته الداخلية، رغم ما يبدو ظاهريا أن دول الاتحاد ما تزال متحدة. فيما الخوف يقسمها في انتظار شتاء مقبل ينذر بندرة الغاز وانقطاع الطاقة.

بالنسبة لفرنسا تنظر إلى دول الجوار الأوروبي خاصة ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا آخذة في ترتيب اوراقها تحت صدمة تداعيات الحرب في أوكرانيا. وتعلم فرنسا جيدا أن المتنفس الوحيد لهذه الدول هو جنوب المتوسط، وتحديدا إفريقيا.

وتعلم فرنسا أيضا أنها محسودة في وسطها الأوروبي على نعمة مستعمراتها الإفريقية سابقا التي ما تزال تقتات منها في الحاضر في السر والعلن.

في زحمة السباق الأوروبي، وفي ظل التدخل الأمريكي في إفريقيا تعلم فرنسا أنها في طريق فقدان سيطرتها على جزء كبير من نفوذها في القارة السمراء.

من هنا تبدأ رحلة ماكرون إلى الجزائر.

بخصوص الجزائر، بدورها تعاني على المستويين الداخلي والخارجي.

داخيا، لديها أزمة اقتصادية واجتماعية ما تنفك أن تظهر وتنفجر، والحراك الشعبي بركان ناشط في وضعية استراحة، لا أحد يدري متى يلقي ما بداخله من غليان.

خارجيا، بما أن النظام العسكري الحاكم وضع قضية الصحراء هدفه الرئيس ويكاد يكون الهدف الوحيد في السياسة الخارجية للجزائر، فإنه على مدى العامين الأخيربن تكبد خسائر جسيمة وحصد خيبات غير مسبوقة، تمثلت في السيطرة التامة للجيش المغربي على كافة حدوده بما فيها الطريق الرابط عبر معبر الكركرات بين جنوب المغرب وشمال موريتانيا.

إضافة إلى ذلك توالت الاعترافات الدولية بمغربية الصحراء وتوجت بمواقف كل من الولايات المتحدة وألمانيا وإسبانبا، ناهيك عن تسلح دول مجلس التعاون الخليحي مصوحبة بالاردن ومصر واليمن لدعم المغرب ورفض أي تقسيم يمس وحدته الترابية.

كما أن الموقف الأفريقي ازداد تصلبا ضد الجزائر بفتح ما يزيد عن 40 في المائة من دول الاتحاد الإفريقي بعثات قنصلية في الصحراء المغربية.

كل ذلك طوق الجزائر وجعلها تشعر بعزلة حقيقية في محيطها الإقليمي، ولدرجة أنها لم تتمكن حتى من استضافة القمة العربية التي كانت مقررة في مارس الماضي، بسبب رفض الدول العربية موقف النظام الجزائري المعادي للمغرب.

إلى هنا، لم يجد الحكام في الجزائر ما يناورون به على المستوى الخارجي لاستعادة المواقع التي فقدوها وكانوا في السابق يستعملونها لضرب المغرب من متابر إفريقية أو عربية أو دولية.

لكن مع اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا شعر النظام الجزائري بفسحة أمل، خاصة أنه مطلوب لدى موسكو بأن يكون حليفها القوي في معركتها ضد الغرب في إفريقيا.

لا يخطئ عاقل الحكم في وجود آثار لأقدام جزائرية على رمال الصحراء التي عبرتها قوات فاغنر الروسية التي تسللت من ليبيا عبر الجزائر ووصلت إلى مالي وطردت القوات الفرنسية من هذه الدولة الإفريقية المنهوبة.

طبعا ينفي النظام الجزائري تورطه في ما حدث في مالي، ولكن يجد الفرصة ليفرك يمناه بيسراه فرحا بما يحدث لفرنسا، وهو الطامع في موقفها لدعمه ضد المغرب.

هذا هو لب الموضوع الذي يستهدفه النظام الجزائري من زيارة ماكرون قبل أي شيء آخر، وإن تم الإعلان عنه أو لم يتم ذلك. خصوصا أنه يعلم أن بعد الاعتراف الإسباني والااماني بمغربية الصحراء لم يبق من رهان على الاتحاد الاوروبي سوى التمسك بما تتوفر عليه فرنسا من خيارات لمعاكسة الوحدة الترابية للمغرب تحت دريعة إرجاع ملف الصحراء إلى مربع الانطلاق في الامم المتحدة، وهو أمر لم يعد ممكنا بعد القرار الأممي رقم 2602.

من جهتها، لم تغادر فرنسا موقفها التقليدي من نزاع الصحراء وما تزال في المنطقة الرمادية، وهو أمر لم يعد المغرب يقبل به، ولدرجة أن الملك محمد السادس في خطابه بمناسبة ثورة الملك والشعب، قال – والكلام للجارة فرنسا- “إن ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر منها المغرب إلى العالم”، وبعبارة اخرى “إما معنا او ضدنا”.

بناء على ذلك، لن يسمع ما ماكرون في الجزائر إلا ما يغدي نزعة المواجهة عند فرنسا ضد المغرب، سيقول له الرئيس تبون دون شك “انظر إلى عجرفة المغرب، خضعت مدريد لابتزازاته، وانجرت ألمانيا إلى صفه واستقوى علينا بموقف أمريكا”، اكيد سيقولها ويضيف مستفزا ماكرون “نحن نريد فرنسا قوية وصاحبة سيادة”.

لكن في حال تجرأ تبون وقال ما يشبه هذا الكلام، هل سيصغي إليه ماكرون؟

طبعا فرنسا لها دور في استغلال أزمة الصحراء وتستفيد منها،وتلعب لعبتها بين المغرب والجزائر، ولكنها تعرف ثقل المفرب في الميزان، ولهذا اختلف الفرنسبون مع النظام الجزائري في تغطية وقائع الزيارة والتعليق عليها وتنافرا حتى في إصدار البلاغات، فقصر المرادية يقول إنه تباحث قضية الصحراء مع ماكرون خلال زيارته للجزائر، والإليزي ينفي ذلك بالتأكيد فقط على مواضيع اخرى غير قضية الصحراء.

يوجد الرئيس ماكرون في وضعية غير مريحة، على المستوى الداخلي يواجهه معارضة أصبحت تقاسمه السلطة، وعلى الصعيد الاوروبي، هناك ما يشبه يوم الحشر، كل دولة بما كسبت، بينما على المستوى الدولي لا وزن يذكر لباريس في قضايا باتت تحسم ببن الكبار والكبار الجدد.

بناء على ذلك، فالزيارة التي خص بها ماكرون الجزائر هي تفقدية أكثر من عملية، وتنبعث منها رائحة الخوف وجس النبض، لأن الغرب يريد جزائر موثوق بها، وهو ما لا يعطيه الانطباع عن حكام الجزائر، هناك تمرد ومراوغة وابتزاز، ولعل ما سيترتب عن هذه الزبارة من مشاكل أكثر مما قيل بشأن بحثها عن الحلول لأزمات وخلافات تاريخية وسياسية وأمنية واقتصادية.

طابت أوقاتكم


شاهد أيضا
تعليقات
تعليقات الزوار
Loading...