Afterheaderads-desktop

Afterheaderads-desktop

Afterheader-mobile

Afterheader-mobile

ليلى أشملال تكتب: الحلقة 37 من سلسلة في زمن الحرب و الجوع ( أسر شهداء حرب الصحراء المغربية 1975-1991)

بما ان المؤسسات العسكرية تنكرت لمستقبلنا سنتحدث عن الماضي ،الحلقة 37 من سلسلة في زمن الحرب و الجوع ( أسر شهداء حرب الصحراء المغربية 1975 ،1991).

رحل جو التوتر والصمت الذي كان سائدا نهار هذا اليوم وحل محله ضجيج صغير لأفواه تتكلم دفعة واحدة فينتشر أكثر من صوت في الفضاء، حينما كنت عائدا لغرفتي كي أنام، نادني أحدهم متسائلا “خويا نتا هو الكاري جديد ؟”، أجبته بالتأكيد فطلب مني أن أجالسه مرحبا بي، سرعان ما التحق بنا جميع من يشاركوني سكن هذه الشقة، لقد تعرفت على السيد علي و أحمد و الطالبان يوسف و عبد الجليل، سمعت بشكل مختصر عن ظروف كل واحد منهما والدوافع لوجودهما في هذه المدينة، كان الوقت متأخرا لذا لم يسعنا الحديث كثيرا، بعد أن عرفتهم بنفسي أيضا، شربت برفقتهم كأسا من الشاي ثم نهضت للنوم شاكرا لهم حسن تعاملهم و ترحيبهم بي.

لجأت لغرفتي الصغيرة، وضعت رأسي على الوسادة ثم بدل أن أنام شرعت في التفكير بمن شاركتهم الحديث قبل حين، ارتحت لهم وبدو لي رجالا طيبين، ييدو أن القدر كان قاسيا عليهم أيضا كما كان معي أنا كذلك، نتجرع رحيق المعاناة وإن اختلفت قصصنا و ظروفنا و أسرارنا الذي لم نشاركها مع بعض منذ الجلسة الأولى، فكرت أيضا في من استأجر لي البيت وفي تلك النساء اللواتي قال عنهن علي بأنهن يكترين شقة أخرى غير بعيدة عنا وأنه غير راض عن تساهل صاحب الشقة مع بعضهن، مبديا سخطه من الأوضاع التي وصلت لها بعض النسوة اللواتي قد يبعن أجسادهن مقابل بضع دراهم يسددون بها أجرة الكراء ويقتاتون على ما تبقى منها، كما يوجد من بينهن من ترسل أيضا لأبويها ليلزموا الصمت عوض الإشتكاء والتذمر من حالتها، ظروف قاهرة وقصص كثيرة تحت عناوين مختلفة كتبت على نفس الغلاف، غلاف الألم و المعاناة، الحاجة و القسوة.

حاولت الخلود للنوم لكن عقلي تجاوز رغبتي في ذلك، وفرض علي الغرق في المزيد من التفكير وطرح الأسئلة التي توجع أجوبتها القلب وتدميه، دسست رأسي في الوسادة محاولا تجاهل كل ذلك وبعد نصف ساعة أو ما يزيد عن ذلك بقليل وجدت نفسي في عالم الأحلام حيث أرتاح، حيث يرتاح جميع البؤساء و التعساء، غير أن الأمر أحيانا يكون عكس ما نتوقعه، حينما يطاردنا الواقع المرير حتى في الأحلام التي هي ملجئنا الوحيد للهروب من سلطة القدر و من متاهة الحياة.

الساعة الثامنة و النصف صباحا، غرفة الطالبان عبد الجليل و يوسف مغلقة، يبدو أنهما انصرفا باكرا للإلتحاق بالحافلة التي توصلهما للجامعة، بدا لي أنني الوحيد الذي لا يزال في هذه الشقة، قمت على وجه السرعة بإعداد إبريق من القهوة السوداء المضاف إليها بعض الأعشاب، مددت يدي نحو ما تبقى لي من خبز ليلة أمس، لم أشتري زيت الزيتون بعد “الزيت البلدية”، لذا اضطررت لأكل الخبز حافي مع القهوة، الخبز الحافي الذي دائما ما كان نعمة الفقراء الدائمة الوجود، جعلني هذا أشكر الله سرا؛ ثم انصرفت لإرتداء ثيابي و هممت بالخروج من المنزل للبحث عن عمل، لعلني أظفر بفرصة جميلة هذا الصباح.

ظللت أجوب الشوارع و الأزقة لما يقارب ثلاث ساعات متواصلة دون فائدة، تعبت قدماي من الوقوف كما أن حذائي البالي لم يعد في وضعية تسمح لي بالمشي أكثر من القدر الذي مشيته، جلست على زاوية من الرصيف كي ألتقط أنفاسي و أستريح، الشمس القوية جعلت رأسي يدور فأحسست وكأنه سيغمى علي، لذا اختبأت تحت سقف أحد المنازل المظللة أفكر و أفكر فيما ينبغي لي أن أفعل و أي طريق يجب أن أسلك، كنت أرى المارة و الأطفال و الشوارع التي تختنق بوسائل النقل المختلفة والتي تشكل في سباقها ازدحاما مروعا، رؤية الأطفال وهم يحملون محافظهم المدرسية وراء ظهورهم جعلني أخمن أنها الساعة الثانية عشر ظهرا، أصوات أمعائي الجائعة تجعلني أقف سريعا لأتوجه نحو أقرب بقال، النقود التي بحوزتي لن تمكنني من الظفر بغداء لذيذ في أحد المقاهي الشعبية، لذا اكتفيت بشراء نصف خبزة داخلها قطعة واحدة من الجبن المثلث، أدري أنها وجبة غير كافية لكن استطعت بها ملء معدتي و إسكات صوت أمعائي.

التهمت خبزتي أمام متجر البقالة و حينما انتهيت ذهبت سائلا إياه عن إمكانية معرفته لشخص ما يبحث عن عامل ليعمل معه في أي مجال كان أو في أي حرفة، لكنه سرعان ما أجابني بالنفي مؤكدا لي أنه في هذا الشارع الذي قادتني إليه رجلاي كل يترزق الله بمفرده معتمدا على نفسه، و إذا اقتضت الضرورة يجر ورائه أحد أبناءه ليساعده بدل البحث عن عامل يقاسمه أرباحه، جعلتني هذه الجملة أشعر بنوع من اليأس الذي يجعلك تكره نفسك قبل أن تكره الآخرين، أحسست بأنه لا فائدة من الإستمرار في البحث عن عمل هذا اليوم، رجعت للمنزل وأنا أجر قدمي لاعنا حظي و قدري في هذه الدنيا السوداء، حينما وصلت للبيت غسلت وجهي وقدمي بسرعة ثم ألقيت بنفسي على الفراش، كنت متعبا مرهقا جسديا و معنويا، لذا لجأت للهروب إلى النوم ككل مرة، طالبا الله أن يشملني برحمته و أن ييسر طريقي ويهبني الصبر القوي على الشدائد، نمت بعد أن توقعت لي حظا أفضل في رحلتي للبحث عن عمل صباح يوم الغد.

حلقة كل خميس

من توقيع ليلى اشملال


شاهد أيضا
تعليقات
تعليقات الزوار
Loading...