Afterheaderads-desktop

Afterheaderads-desktop

Afterheader-mobile

Afterheader-mobile

قانون الأحزاب .. نحو ديمقراطية ترابية وقيادة متجددة..مقاربة تحليلية مقارنة

يشكل مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالأحزاب السياسية أحد أهم محاور الإصلاح السياسي بالمغرب في المرحلة الراهنة .. فبين الحاجة إلى تجديد النخب السياسية من جهة ومتطلبات الجهوية المتقدمة والذكاء الرقمي من جهة ثانية أصبح من الضروري الانتقال من النموذج الحزبي المركزي التقليدي إلى نموذج حزبي ترابي متجدد يسمح بتوسيع قاعدة المشاركة السياسية ويعزز الاندماج الوطني من القاعدة إلى القمة.
إن إصلاح قانون الأحزاب لم يعد يقتصر على تقنين التمويل أو ضبط المساطر فقط بل أصبح يقتضي إعادة تعريف وظيفة الحزب في المجتمع بوصفه مؤسسة مواطنة لا مجرد وسيلة انتخابية قادرة على مواكبة التحولات المجتمعية والتكنولوجية والاقتصادية المتسارعة.
*أولا: التداول الديمقراطي بدل القيادات التاريخية*
لقد أثبتت التجربة السياسية المغربية، منذ مطلع الألفية الثالثة، أن استمرار نفس القيادات على رأس الأحزاب لفترات طويلة ينتج الجمود و يخلق الملل و النفور .. ويقضي على مبدأ التداول والمساءلة.
لذلك بات من الضروري أن يتضمن القانون التنظيمي نص واضح ينص على:*( أن لا يجوز لأي شخص أن يتولى مهام القيادة الحزبية أكثر من ولايتين متتاليتين أو أكثر من أربعة متفرقة)*
هذا المبدأ يكرس التداول القيادي كآلية مؤسساتية لا كتنازل شخصي ويؤسس لتجديد النخب وضخ دماء جديدة في الأحزاب.كما يستحسن أن يتم انتخاب القيادات عبر منصات رقمية وطنية مؤمنة بإشراف لجنة وطنية مستقلة، انسجاما مع روح التحول الرقمي والشفافية المؤسساتية.

*ثانيا: في المؤتمرات الحزبية واحترام الزمن الديمقراطي*
يعد احترام الدورية الزمنية للمؤتمرات الوطنية معيار أساسي لقياس حيوية الأحزاب ومصداقيتها.ومن ثم أقترح أن ينص القانون على مقتضى حازم مفاده:*( يحب كل حزب بقوة القانون أذ لم يعقد مؤتمره الوطني خلال ستة اشهر من انقضاء مدة انتدابه المحددة في أربع سنوات )*
بهذا الإجراء يستعاد مبدأ احترام الشرعية الزمنية ويكرس المؤتمر كأعلى سلطة تقريرية مسؤولة عن تجديد الهياكل واختيار القيادة وفق معايير مؤسساتية واضحة.
*ثالثا: نحو الاعتراف بالأحزاب الجهوية والإقليمية والمحلية*
تماشيا مع مقتضيات الجهوية المتقدمة المنصوص عليها في دستور 2011 .. أصبح من الضروري أن يسمح القانون التنظيمي بتأسيس أحزاب جهوية أو محلية تعبر عن الخصوصيات الترابية والثقافية والاجتماعية لكل جهة دون المساس بوحدة الدولة أو ثوابتها الدستورية. ولضمان التوازن بين الحرية والتنظيم اقترح ما يلي:
– أن يكون ترخيص الأحزاب الجهوية والإقليمية بيد الولاة والعمال لما لهم من صلاحيات تنسيقية وإدارية على المستوى الترابي.
– ⁠أن يسند ترخيص الأحزاب المحلية إلى العمال بحكم قربهم من النسيج المجتمعي المحلي وإلمامهم بمتطلبات التسيير الإداري.
بهذا التقسيم تتحقق اللامركزية السياسية المنظمة ويعزز انخراط المواطنين في الحياة العامة داخل مجالاتهم الترابية عبر قنوات مؤسساتية واضحة ومراقبة.
*رابعا: نحو دعم تحفيزي وتمييز إيجابي للشباب والنساء*
لكي لا تبقى تجربة الأحزاب الجهوية والمحلية حبرا على ورق ينبغي اعتماد آلية تحفيزية تشجع فاعلين جدد على خوض التجربة السياسية الترابية.
أقترح أن ينص القانون على تخصيص دعم مالي للشباب و النساء على رأس هذه الاحزاب .
ويربط هذا الدعم بمدى انخراط هذه الأحزاب في برامج التكوين السياسي والرقمنة التنظيمية والمشاركة في التنمية الترابية..
فتمكين الشباب والنساء من القيادة ليس تمييز شكلي فقط ، بل هو رهان ديمقراطي استراتيجي لإعادة الثقة في العمل الحزبي برمته.
*خامسا: إمكانية الاندماج التدريجي نحو الحزب الوطني*
إن فتح المجال للأحزاب الجهوية والمحلية لا يعني تشتيت المشهد السياسي بل يمكن أن يشكل نواة لتكامل وطني متدرج.
و بغيت تحقيق ذلك يقترح أن يدرج في القانون مبدأ الاندماج الاختياري بحيث يمكن للأحزاب الجهوية والمحلية ذات المرجعية أو البرنامج المشترك أن تتوحد لتكون حزبا وطني موحد بشرط أن تشكل فريق برلمانيًا أو تكتلا سياسيا معترفًا به من طرف السلطات المركزية (وزارة الداخلية ).
هذه الآلية تعيد بناء الثقة بين القاعدة والقياد وتسمح بتجديد الدماء الوطنية في المشهد السياسي بنيت دات جذور ترابية صادقة وفاعلة.
*سادسا:قراءة في النماذج الدولية للأحزاب الجهوية والمحلية*
التجارب المقارنة تبين أن فكرة الأحزاب الجهوية والمحلية ليست استثناء بل ممارسة راسخة في عدد من الديمقراطيات الحديثة وتعد رافعة لتقوية المشاركة والتوازن السياسي:
– فرنسا: رغم الطابع المركزي للدولة توجد أحزاب جهوية فاعلة في كورسيكا تمثل الخصوصيات الثقافية والإدارية لتلك الجهة وتشارك بفعالية في الانتخابات المحلية دون المساس بوحدة الدولة.
– ⁠إسبانيا: تشكل التجربة الإسبانية نموذجا متقدما إذ تتعايش الأحزاب الوطنية مع أحزاب جهوية قوية (كالحزب الباسكي، والحزب الكتالوني) التي تدير شؤون مناطقها وتشارك في الائتلافات الحكومية.
– ⁠المملكة المتحدة: تبرز الأحزاب الجهوية كقوة سياسية معتبرة مثل الحزب القومي الاسكتلندي الذي يدير الحكومة المحلية في إدنبرة في إطار وحدة المملكة المتحدة.
– ⁠ألمانيا: تعتمد نظام فدرالي متقدم حيث تمتلك الولايات أحزابا محلية متفرعة عن أحزاب وطنية وتلعب دور حيوي في السياسات الإقليمية والتعليمية والاقتصادية.
– ⁠تركيا: رغم الطابع المركزي نشأت أحزاب إقليمية قوية تعبر عن هوية مناطق محددة، خاصة في الجنوب الشرقي .. وتشارك في الانتخابات البرلمانية ضمن ائتلافات وطنية .
من خلال هذه النماذج يتضح أن تعدد المستويات الحزبية لا يتعارض مع وحدة الدولة بل يعزز التوازن بين الانتماء الوطني والهوية الجهوية ويمنح المواطن شعور بالمشاركة المباشرة في صنع القرار.
*سابعا: نحو أحزاب ذكية في عصر الذكاء الاصطناعي*
إن التحول الرقمي الذي يشهده العالم يفرض على الأحزاب السياسية أن تعيد بناء بنيتها الاتصالية والتنظيمية فالحزب في القرن الحادي والعشرين لم يعد مجرد جهاز تنظيمي فقط .. بل اضحى منصة رقمية للتفاعل والتحليل والإنتاج السياسي.
من ثم يجب أن ينص القانون الجديد على إلزام الأحزاب بامتلاك أنظمة رقمية للتسيير الداخلي ونشر بياناتها المالية والتنظيمية بشكل شفاف على منصات عمومية وطنية.

*خاتمة*

إن تجديد قانون الأحزاب السياسية في المغرب ليس غاية في ذاته بل هو مدخل لإصلاح شامل يربط بين الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية الترابية.
فالمطلوب اليوم هو قانون يعيد الثقة في الفعل الحزبي عبر:
تحديد مدة القيادة وتكريس التداول واحترام الآجال القانونية للمؤتمرات.. وفتح المجال للأحزاب الجهوية والمحلية .. و كذا تحفيز الشباب والنساء على القيادة وتبني التحول الرقمي في الممارسة السياسية.
إن المغرب وهو يخطو نحو جيل جديد من القوانين السياسية مدعو اليوم إلى بناء نموذج متوازن يجمع بين وحدة الدولة وتعدد التعبير الحزبي وبين الجهوية السياسية والانتماء الوطني .. في أفق إنتاج نخب جديدة قادرة على حمل مشروع وطني حديث في زمن الذكاء الاصطناعي والعولمة السياسية.
*عيدودي باحث في الشؤون السياسية و الدينية*


شاهد أيضا
تعليقات
تعليقات الزوار
Loading...