في “حوار ” مع رياض برايدة مهندس دولة في اللوجستيك و باحث في الشأن الإقتصادي والسياسات العمومية حول “أعطاب النموذج التنموي” في ظل جائحة فيروس كورونا..

عايشنا جميعا ما تسببت به جائحة فيروس كورونا من انعكاسات سلبية على كافة مناحي الحياة و ما أحدثت من أزمات لم يسلم منها اقتصاد الدول العظمى و كذا دول العالم الثالث  على حد سواء، و بلادنا كغيرها من البلدان تضررت من الجائحة، رغم التدابير و الإجراءات الإستباقية التي نهجتها المملكة بقيادة و حكمة الملك محمد السادس، و التي خففت كثيرا من هول الكارثة و قلصت بشكل كبير الخسائر التي عانت منها قوى اقتصادية كبرى، لكن المغرب تفاداها و نال استحسان و تنويه العالم في تدبيره لهذه الأزمة الخانقة، هذه الأخيرة تمكنت من  كشف حقيقة ضعف و هشاشة قطاعات عديدة و عرت عن واقعها، ضيفنا اليوم  رياض برايدة مهندس دولة في اللوجستيك باحث في الشأن الاقتصادي والسياسات العمومية يحدثنا عن “أعطاب النموذج التنموي”:

السؤال الأول: هل يمكنك تسليط الضوء بشكل عام على الأزمة الإقتصادية و الإجتماعية التي خلفتها جائحة فيروس كورونا و أضرارها على القطاعات الاقتصادية المهيكلة و غير المهيكلة:

تماما، فقد خلفت جائحة كوفيد-١٩ أزمة أربكت النسيج الاقتصادي المغربي، وحتى نكون منصفين فإن اقتصادات أعتى الدول لم تسلم من آثارهذا الوباء ، حتى الدول المتقدمة، وتلك التي تتمتع بدخل مرتفع، لتبعثر أوراق الحكومات، وتعصف بكل التوقعات، وتأتي على الأخضر واليابس في كل المجالات سواء أكانت صناعية، سياحية أو حتى رياضية.

ولأن المساوئ لا تأتي فرادى، فقد صادفت هذه الجائحة في بلادنا سنة فلاحية جافة، عرفت ندرة في التساقطات المطرية أثرت بشكل كبير على المحصول الزراعي، إذ أن الإنتاج الوطني من الحبوب لم يتجاوز 30 مليون طن ، أي بانخفاض معدله 42 % مقارنة مع السنة الفارطة، حسب الأرقام الرسمية الصادرة عن وزارة الفلاحة، التنمية القروية، والمياه والغابات، لتلبد سماء اقتصادنا الذي مافتيء أن أصبح يئن تحت كل هذا الضغط.

بعيدا عن قطاع الفلاحة، عرف قطاع السياحة هو الآخر تضررا ملحوظا، إذ تم إلغاء حوالي 11.6 مليون ليلة مبيت، لما يناهز 6 مليون سائح أجنبي، مما عمق أزمة هذا القطاع الذي قد يخسر مايناهز 138 مليار درهم مابين 2020 و 2022 حسب الفدرالية الوطنية للسياحة، التي سارعت لدق ناقوس الخطر.

كما أن قطاع الصناعة بصفة عامة، وقطاع السيارات على وجه الخصوص، عرف انكماشا واضحا في حجم الصادرات بالنسبة للعملاقين PSA et Renault مما هدد بشكل كبير رؤية مليون سيارة في أفق 2022, مما من شأنه أن يؤثر سلبا لا محالة على الميزان التجاري الوطني، خاصة إذا علمنا أنه في سنة 2019، بلغ حجم الصادرات بالنسبة لقطاع السيارات، مايناهز 27 % من مجمل الصادرات المغربية، بما قيمته 7مليارات أورو.

في مجال التجارة، وكنتيجة مباشرة للجائحة، فقد عرف قطاع النقل تراجعا مهولا في حركة العربات، مما سبب خللا مهولا في السلسلة اللوجستيكية، وأثر بشكل كبير على حجم المبادلات التجارية التي تراجعت بما يناهز 20 % أي مايناهز 2.5 مليون طن إبتداء من شهر مارس 2020.

كل هذه الأرقام تحيلنا بشكل واضح على حجم الخسارة التي حلت باقتصادنا نتيجة تداعيات وباء كوفيد 19,ويظهر ذلك جليا من خلال تقرير بنك المغرب الذي قدر حجم الانكماش ب6.3 % مقارنة مع سنة 2019 ،مما يهدد بشكل جلي عدد مناصب الشغل التي سيتم الاستغناء عنها كأول إجراء تقشفي لمواجهة الجائحة، الشيء الذي ينبئ بمدى حساسية المرحلة،

وباحتقان اجتماعي كنتيجة مباشرة لتأثير الجائحة، خاصة إذا علمنا أن الوضع أخطر بكثير مما تحيله الأرقام الرسمية، وذلك لأن القطاع الغير المهيكل، الذي يشكل قطعة الجليد الغير مرئية في الاقتصاد الوطني ويساهم ب20% من الناتج الداخلي الخام ، يحتضن من المواطنين ما يقدر عددهم ب 2.99 مليون، والذين وجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها بدون مدخول يسد رمقهم.

السؤال الثاني: ما مدى خطورة التداعيات التي خلفتها أحداث “الفنيدق”  و هل من الممكن أن تفجر أزمات أخرى في قطاعات أخرى كأرباب المقاهي والحمامات؟ 

يجب التعاطي مع مسألة الفنيدق بنوع من التأني، لأن الإشكالية مزدوجة في هذه الحالة، فالكل يعلم أن مدينة الفنيدق والنواحي كانو يعيشون من السلع المهربة من الجارة الشمالية، وهذه مسألة مرفوضة كل الرفض وتحرم الاقتصاد الوطني من عائدات ضريبية ضخمة، فحسب تقرير كان قد أعده مكتب الافتحاص الشهير KPMG في سنة 2016, فتهريب السجائر لوحدها يحرم الاقتصاد الوطني من 143 مليار سنتيم كعائدات ضريبية، كما أن قيمة السلع المهربة من مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين تقدر ب 15 إلى 20 مليار درهم، وتحرم خزينة المملكة من عائدات ضريبية تقدر ب 4 إلى 5 مليار درهم سنويا، إذن فالمقاربة التي نهجتها الدولة لحماية الاقتصاد الوطني يجب الإشادة بها، لكن مالم تقم به الدولة وساهم في تعقيد المسألة، هو خلق البديل لهذه الفئة من المواطنين الذين يعيشون من التهريب، ومما عمق من آثار الأزمة، هو حلول جائحة كورونا التي ضربت فئة كانت تعاني أصلا حتى قبل قدوم الجائحة.

إن الاجراءات “الاحترازية” التي تتبناها الدولة للتصدي للجائحة من شأنها أن تخلق اختناق اجتماعي قابل للانفجار في أية لحظة، خاصة إذا علمنا أن بعض القرارات لا تستند إلى أي منطق عقلاني، فليس من المعقول الإبقاء على قرار الاغلاق في الساعة 20h، وكأن ساعتي الإغلاق هي من ستخفض من نسبة الإصابة بداء كوفيد 19, كما أن كل المقاربات المطروحة على الصعيد الدولي بدأت تستثني الحجر كخيار للحد من تفشي الجائحة لعدم نجاعته في التجارب السابقة.

إنه من غير المعقول والمنطقي الإبقاء على قرار إغلاق الحمامات، و تقليص ساعات العمل بالنسبة للمقاهي والمطاعم والصالات الرياضية، خاصة مع انخفاض حدة الوباء الذي عرف بالمناسبة تحولات جينية قدرت ب 12000 مرة، وفقد شراسته Force virale, ومع بدأ حملة اللقاح التي أعطى جلالة الملك محمد السادس نصره الله انطلاقتها، والتي تبشر ببداية نهاية الأزمة.

 السؤال الثالث: تدخلت الدولة لدعم هذه القطاعات لكن ذلك يبقى غير كافي ،ما هي التوجهات التي يجب أن تنهجها الدولة لاحتواء الأزمة؟

بالفعل فقد تدخلت الدولة للتخفيف من آثار الجاءحة في فترة الحجر الصحي، لكن تلك المساعدات تبقى هزيلة وغير كافية لإعالة حتى فرد واحد، فما بالك بأسرة بأكملها.

على العموم، يجب استخلاص العبر من هذه الأزمة، واتخاذ مجموعة من الإجراءات التي من شأنها أن تسرع من وتيرة الخروج من الأزمة وتصلح بعض الأعطاب التي كانت تعتري الشأن الاجتماعي في بلادنا.

فحاليا ، تتوفر وزارة الداخلية على قاعدة بيانات ضخمة للمواطنين سواء الذين يشتغلون في القطاع المهيكل أو غير المهيكل، مما سيجعل مسألة تعميم التغطية الصحية خلال 5 سنوات، و التي أتى بها قانون المالية لسنة 2021، سيجعلها هينة بعض الشيء، كما أن وزارة الداخلية مطالبة باتخاد إجراءات حازمة مع أرباب المقاولات ممن يمتنعون عن تأدية واجبات الضمان الاجتماعي، والذي يتم التعامل معه كامتياز في حين أنه حق مشروع للشغيلة.

من جهة أخرى، فإن الدولة مطالبة بالاستمرار في مسلسل التشجيع على إنشاء المقاولة ، وفي تسريع وتيرة تفعيل برنامج “انطلاقة” لتمكين المقاولين الشباب من الحصول على مصادر التموين.

من جهة أخرى، فقد صادقت الأمانة العامة للحكومة بتاريخ 04 فبراير 2021 على مشروع قانون لإنشاء صندوق محمد السادس للتضامن، والذي سيتم ضخه بغلاف مالي يبلغ 40 مليار درهم، كما جاء بذلك قانون المالية لهذه السنة، وهذه رسالة واضحة للقطاع الخاص، حتى يحترم العهود التي تقدم بها، والتي تقضي بالمحافظة على 80% من مناصب الشغل.

 السؤال الرابع: ما هو تصوركم للرفع من منسوب الدورة الاقتصادية التي يكون عائدها على ما هو اجتماعي؟

في آخر تقرير لها بخصوص وضعية الشغل الخاصة بالثلث الثالث من سنة 2020, دقت المندوبية السامية للتخطيط ناقوس الخطر وهي تؤكد على أن نسبة الشغيلة قد تدنت لتصل إلى معدل 37.9% أي بانخفاض يقدر بمعدل 2.9% , وذلك نتيجة للانكماش الذي عرفه الاقتصاد الوطني نتيجة تداعيات وباء كوفيد 19.

إذا علمنا أن العديد من المؤسسات العمومية قد جمدت مناصب الشغل نتيجة للجائحة، كما أن القطاع الخاص هو الآخر تضرر بشكل مباشر نتيجة لانخفاض الطلب، فإن مسألة امتصاص الأفواج الجديدة من خريجي الجامعات والمعاهد العليا تبقى جد صعبة في الوضع الراهن.

إن الدولة مطالبة بدعم القطاعين العام والخاص لفتح مناصب الشغل، و بالمضي قدما في ورش التشجيع على إنشاء المقاولة، وتقديم الدعم اللازم للشباب حتى يتم تقليص نسبة البطالة والرفع من نسبة الشغيلة.

إن الظروف الراهنة، تقتضي تظافر الجهود سواء بالنسبة للقطاعين العام والخاص، فإذا كان قانون المالية لهذه السنة، تعهد بمساندة المقاولة الوطنية، فإن هذه الأخيرة مطالبة هي الأخرى بالمحافظة على مناصب الشغل، كما أن الدولة مطالبة باحتضان الجميع وبطرق كل الأبواب التي من شأنها أن تخرجنا من هذه الأزمة، وسنخرج منها إن شاء الله.


شاهد أيضا
تعليقات
تعليقات الزوار
Loading...