مدير النشر
سعيد بندردكة
للتواصل هاتفيا
+212661491292
الثابت و الفاكس
+212537375252
الإيميل
[email protected]
مدير النشر
سعيد بندردكة
للتواصل هاتفيا
+212661491292
الثابت و الفاكس
+212537375252
الإيميل
[email protected]
استحقاقات ما بعد انتهاء الحرب ترعب الإسرائيليين وتقلق حلفاءهم
ما إن تم التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وبداية مسار إنهاء الحرب الإسرائيلية الغاشمة عليها، وإن كان رئيس حكومة الاحتلال يحاول التلفت منها والانقلاب عليها وعدم الالتزام بها، إلا أن أغلب المؤشرات تؤكد إصرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والمجتمع الدولي على إنهائها، وإكراه نتنياهو على القبول بها وعدم تهديدها، حتى أدرك الإسرائيليون، مسؤولين ومستوطنين، سياسيين وعسكريين، أمنيين وإعلاميين، أن مرحلة الحرب قد انتهت، وأن يد نتنياهو في قطاع غزة قد كفت، وأنه لن يستطيع أن يواصل حربه ولا أن يبرر عدوانه، وأنه سيكون مضطراً للالتزام بخطة ترامب للسلام، وإن كان يعمل على تغييرها لصالح كيانه، والمماطلة في تنفيذ بعض بنودها لتجييرها لصالحه، وتأخيرها قدر المستطاع للسماح ببعض التغييرات التي قد تخدمه.
يدرك الإسرائيليون أن اليوم التالي المتعلق بهم قد بدأ، وأن تداعياته قد استحقت، وأنه بات عليهم لزاماً أن يواجهوا نتاج ما اقترفت أيديهم وما ارتكبوا من جرائم ومجازر على مدى سنتين وأكثر في قطاع غزة، الذي خاضوا ضده حرباً وحشيةً لا تمت للإنسانية بصلةٍ، شوهت صورة كيانهم الكاذبة لدى دول العالم كله، وأظهرت حقيقته العنصرية، وصورته العدوانية الوحشية، وأخرجته من دائرة الحضارة والمدنية والديمقراطية التي يدعي انتسابه إليها وتميزه بها، وأحرجت حلفاءه في أوروبا وغيرها، وأضرت بمصالح الولايات المتحدة الأمريكية التي تدعمه وتؤيده وتسانده وتساعده، وتقف معه وتؤازره، إلا أن استمرار الحرب على غزة هددت مصالحها وجعلت منها صورة مشابهة للكيان ومتساوقة معه، تتحمل كامل المسؤولية عنه وعن تصرفاته، وتشاركه في حربه وعدوانه.
اليوم أصبح الإسرائيليون، حكومةً ومستوطنين، في مواجهة دول العالم القريبة والبعيدة، الصديقة والحليفة، العربية والإسلامية، والغربية واللاتينية، فعلاقاتها مع أغلب هذه الدول قد تغيرت وتأثرت، ولم تعد كما كانت قبل الحرب، فبعضها ينتقدها علناً ومن أعلى المنابر السياسية والدولية، وبعضها قطع علاقاته الدبلوماسية والاقتصادية وغيرها معها، وطالب بمقاطعتها وعدم مشاركتها أو إشراكها في مختلف الفعاليات الدولية، وبعضها يطالب بملاحقة مسؤوليها ومحاسبة قادتها، واعتقال جنودها وضباطها الذين ثبت تورطهم في الحرب، وارتكابهم جرائم وفظائع بحق الفلسطينيين في قطاع غزة.
بات على الإسرائيليين اليوم التفكير جيداً قبل التخطيط لرحلاتهم، ودراسة خياراتهم للسفر بعنايةٍ وحذرٍ، والمطارات التي تحظ فيها طائراتهم، بل والأجواء التي تعبر فيها، فالأمر لم يعد سهلاً كما كان، وصورتهم التي خدعوا العالم بها سنين طويلة قد انكشفت، حتى أنهم باتوا يخفون هوياتهم، ولا يظهرون جنسيتهم الإسرائيلية، ويتمسكون بجنسياتهم الأخرى، حتى أنهم في المطارات وفي رحلاتهم على متن الطائرات، وفي الأسواق والأماكن السياحية وغيرها، باتوا لا يتحدثون اللغة العبرية فيما بينهم، وأخذوا يتخلصون من إشاراتهم وعلاماتهم التي تميزهم، فلا قلنسوة يعتمرونها، ولا سوالف يطيلونها، ولا “نجمة داوود” يعلقونها، ولا شيء يدل عليهم يبرزونه علناً أمام الآخرين، وقد باتوا على يقينٍ بأن كل العيون ترقبهم، وكل النفوس تكرههم، وكل القلوب حاقدة عليهم.
كما أصبح من العسير عليهم أن يبددوا التأييد العالمي للقضية الفلسطينية، والتضامن الدولي والشعبي مع الشعب الفلسطيني، الذي بات الانحياز إليه كرامة وإنسانية ونبل وشرف، وغير ذلك خسة ونذالة واختلال معايير وقلة أدب، ولعل المظاهرات الشعبية التي ملأت شوارع عواصم القرار الدولية، فضلاً عن عواصم دول العالم كلها، التي كان العلم الفلسطيني فيها يرفع، وفي سمائها يرفرف، والكوفية الفلسطينية تزين الجباه والأكتاف، ويعتمرها العرب وغيرهم، والمتضامنون الجانب واليهود المعارضون، بينما العلم الإسرائيلي يمزق ويحرق ويداس بالأقدام، ودمى رئيس حكومة العدو ووزير حربه ورئيس أركان جيشه تشوه وتلطخ وتعلق على أحبال المشانق وتُجرَّس.
وأصبح من الصعب عليهم أن يكذبوا السردية الفلسطينية التي باتت على كل لسان، ويؤمن بها كل إنسانٍ حرٍ وشريفٍ، وأصبح إطارها يتسع ومفرداتها تسود، وروايتها تصدق، بينما تراجعت رواية العدو وانكفأت، ولم يعد يصدقها أحد أو يؤمن بها، بل لا يجرؤ أحدٌ غير المتشدقين باسم الكيان والمتحالفين معه على سردها، وإعادة طرحها على مسامع العالم، الذي بات ينكرها ويستنكرها، ويرفضها وينفر منها، ولعل هذا آخر ما كان يتوقعه الإسرائيليون، أن يصبحوا هم المنبوذين في العالم، والمكروهين بين الأمم، وغير المرحب بهم في البلاد، بينما تفتح الدنيا كلها للفلسطينيين أبوابها، وتقدمهم على غيرهم وتصدقهم، وتدعو لنصرتهم ومساعدتهم، بل لإنصافهم وإكرامهم، وتمكينهم وإعادة حقوقهم.
لن يقف الأمر عند هذا الحد أبداً، ولن تقتصر تداعيات الحرب على غزة على الجانب الإسرائيلي على ما ذكرت، بل سيصحو المستوطنون الإسرائيليون حتماً على واقعٍ جديدٍ مختلف، وسيجدون أن السد قد نقب، وأن الجدار قد سقط، وأن كوةً من نور قد فتحت على الفلسطينيين، وأن لهباً من نارٍ قد اندلع في وجه الإسرائيليين، فالغد أبداً لن يكون كما اليوم، وهو بالتأكيد ليس كما كان بالأمس، ولن يكون بإذن الله إلا لصالحنا نحن ومعنا ضدهم، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلبٍ ينقلبون.
يتبع ……
