مدير النشر
سعيد بندردكة
للتواصل هاتفيا
+212661491292
الثابت و الفاكس
+212537375252
الإيميل
[email protected]
مدير النشر
سعيد بندردكة
للتواصل هاتفيا
+212661491292
الثابت و الفاكس
+212537375252
الإيميل
[email protected]
“كان مؤتمر الاتحاد الاشتراكي فيما مضى حدثا سياسيا وطنيا بامتياز”… واليوم؟
صار مناسبة مغلقة لتزكية الزعيم وقراءة الفاتحة على حزب كان أحد أعمدة النضال في المغرب.
كان مؤتمر الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية فيما مضى عرسا وطنيا بامتياز، تتعالى فيه أصوات النقاش، وتتصادم فيه الرؤى، ويصاغ فيه جزء من الضمير السياسي الجماعي للمغاربة. لم يكن مؤتمره مجرد موعد حزبي داخلي، بل كان بوصلة تحدد الاتجاه، ومنصة تصوغ خطابا وطنيا جامعا، يعبر عن أمل فئات واسعة في التغيير، في الكرامة، في الحرية، وفي عدالة اجتماعية لا تتنازل عن روحها من أجل “مقعد” أو تحالف ظرفي.
اليوم، لم يعد المؤتمر حدثا. لم يعد سياسيا. ولم يعد وطنيا. بل صار – للأسف – جلسة مغلقة لتزكية “الزعيم الأبدي”، ومناسبة لتبادل المجاملات السياسية المعلبة، وقراءة الفاتحة على حزب كان اسمه مرادفا للنضال، وها هو اليوم يبحث لنفسه عن دور في كومبارس المشهد الحكومي، لا فرق فيه بينه وبين دكاكين سياسية أخرى تباع وتشترى على أبواب الانتخابات.
لم يكن الاتحاد الاشتراكي مجرد حزب، بل كان مدرسة وطنية في التكوين السياسي والفكري. كان يخرج القادة لا التابعين، يؤطر المجتمع لا يراهن على “الريع الانتخابي”، وكان قادرا على صناعة معارضة تربك مراكز القرار، لا على التسول من أجل وزارة بدون صلاحيات.
كان الاتحاد عندما يصدر بلاغا، تتوقف الأقلام لتقرأ، وتتحرك النخب لتناقش، وتتهيأ الساحة السياسية لمواجهة خطاب جديد. أما اليوم، فحتى البلاغات تحمل من “الخشب السياسي” أكثر مما تحتمل من الوضوح والمواقف، وكأن الحزب قد اختار العزلة طواعية، أو لعلها الشيخوخة السياسية التي تصيب التنظيمات التي لا تجدد دماءها.
كثيرون اليوم يتحدثون عن أزمة اليسار، ولكن قليلون يعترفون بأن أكبر أزماته كانت خيانة ذاته. لقد تخلى الاتحاد عن مواقع الريادة حين اختار “الاندماج الآمن” في منطق السلطة، وأدار ظهره للوطن العميق الذي كان يتنفس ببياناته. أين ذهبت تلك القاعدة الشعبية التي كانت تهتف للاتحاد؟ أين اختفى “الاتحاديون الأحرار” الذين كانوا يؤمنون أن السياسة ليست مهنة بل قضية؟ أين أولئك الذين دخلوا السجون وهم يرددون: “ أرواحنا فداء للوطن . نموت وليحيا الوطن”؟
الحقيقة المرة أن الاتحاد الاشتراكي لم يهزم من خصومه، بل هزم نفسه بنفسه، حين نسي أنه وجد ليكون صوتا للناس لا صدى للحكومة، وحين بات يؤمن أن شرعية النضال تستبدل بشرعية “التحالفات”، وأن التاريخ يمكن تغطيته بالبلاغات المنمقة واللقاءات البروتوكولية.
حين نقول إن المؤتمر اليوم يشبه “وليمة جماعية”، فليست هذه مجازفة لغوية، بل توصيف دقيق لمشهد سياسي أصبح يحتقر الذكاء الجماعي للمغاربة. المؤتمر لم يعد لحظة تجديد، بل لحظة ترسيم الولاء. لم يعد نقاشا حول المشروع المجتمعي، بل مناسبة لتوزيع المواقع والتزكيات. فكيف لحزب كان مرجعا أن يتحول إلى صورة باهتة يبحث عن دور ثانوي في مشهد مرتب سلفا؟
في الحقيقة، لسنا في مقام الرثاء، بل نحن أمام لحظة محاكمة للتاريخ السياسي المغربي. إن صمتنا على موت الأحزاب الحقيقية، هو تفويض مباشر لدكاكين السياسة بأن تحتكر المشهد. وإن السكوت على تحول الاتحاد من ضمير إلى ظل، هو تواطؤ نرتكبه ضد ذاكرتنا الوطنية.
قد يقول قائل إن الحزب ما يزال حيا. وربما هو كذلك، من الناحية القانونية والتنظيمية. لكن الحياة السياسية لا تقاس بعدد المؤتمرات، بل بعمق المواقف. والروح لا تقاس بعدد المكاتب السياسية، بل بمدى الصدق مع الذات ومع الوطن.
فيا من تبقى من الاتحاديين الأحرار: لا تتركوا تاريخكم وراية النضال تدفن تحت شعارات الطاعة وتحت طبقات من المجاملات والتكتيكات العابرة، لا تقايضوا تاريخ النضال من أجل الوطن بمقعد على طاولة السلطة، ولا تجملوا الانكسار بأقنعة المؤتمر. أعيدوا للحزب روحه، أو أعلنوا وفاته بشرف، بدل أن يستخدم اسمه لتزيين مشهد سياسي خاو، لا يمت بصلة إلى حلم المهدي وعمر وعبد الرحيم واليوسفي.
فالحزب الذي لا يجدد نفسه، يدفن.
والتنظيم الذي لا يحاسب نفسه، يتآكل.
والتاريخ لا يرحم المتخاذلين.
