Afterheaderads-desktop

Afterheaderads-desktop

Afterheader-mobile

Afterheader-mobile

المنتدى العربي في بيروت منصة إستراتيجية لتمويل الطبيعة وتعزيز الصمود المناخي

بيروت: محمد التفراوتي

انعقد في مقر لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسياالإسكواببيروت المنتدى العربي متعدد الشركاء حول تمويل التنوع البيولوجي من أجل تعزيزالصمود المناخي، في أجواء رسمية جسدت الأهمية المتزايدة للموضوع المطروح،حيث حضر ممثلون عن منظمات دولية وخبراء من مختلف القطاعات البيئيةوالتنموية، ليؤكدوا التزامهم بمسار مشترك يعزز التكامل بين الاتفاقيات الدوليةالخاصة بالمناخ والتنوع البيولوجي ومكافحة التصحر. المنتدى جاء ثمرة لمسار أطلقعام 2023 بدعم من حكومة السويد، حين شكلت المنصة العربية المتعددة الشركاءلحماية التنوع البيولوجي كفضاء للتعاون الإقليمي، انبثقت عنه مجموعات عمل ركزتعلى ثلاثة محاور أساسية هي الحلول القائمة على الطبيعة للصمود في وجه تغيرالمناخ، وتدهور الأراضي في النظم الزراعية القاحلة، إضافة إلى الطاقة المتجددةوالتنوع البيولوجي، وقد انخرطت في هذه المجموعات عشرات المؤسسات الأكاديميةوالبحثية والمجتمعية عبر المنطقة العربية.

تمويل الطبيعة: ركيزة الصمود والاستقرار في العالم العربي

في كلمتها الافتتاحية، أكدت الدكتورة رولا دشتي، الأمينة التنفيذية للإسكوا، أنهذا المنتدى يمثل ثمرة مسار تراكمي بادرت إليه الإسكوا بدعم من حكومة السويد،وبمشاركة واسعة شملت أكثر من أربعين منظمة من عشر دول عربية، ضمن رؤيةتسعى إلى جعل الاستثمار في التنوع البيولوجي أداة للتنمية المستدامة والصمودالمناخي. وشددت على أناللاعمل ليس خيارا، في ظل تصاعد ضغوط التدهورالبيئي والتصحر وفقدان النظم الإيكولوجية، داعية إلى تحويل الأصول الطبيعية إلىفرص استثمارية عبر شراكات مبتكرة وآليات تمويل متقدمة.

أما وزيرة البيئة اللبنانية تمارا الزين، فقد أرسلت رسالة سياسية قوية، مؤكدة أنالمنطقة العربية تقف علىبركان قابل للانفجار نتيجة فقدان التنوع البيولوجيوضغوط التغير المناخي. وأبرزت أن الحل يكمن في التخطيط والعمل المشترك العابرللقطاعات والحدود، معتبرة أن التجربة التي نسقتها الإسكوا عبر ثلاثة فرق عملإقليمية خلال العامين الماضيين برهنت على إمكانية بناء حلول جماعية تعكسالأولويات المحلية في إطار عالمي. واعتبرت الزين أن تمويل التنوع البيولوجي ليسترفا، بل ركيزة أساسية لضمان الأمن الغذائي والسلام والازدهار المستدام.

كما ألقت كارلا خاطر، مديرة مركز الاستشعار عن بعد في المجلس الوطني للبحوثالعلمية، كلمة باسم الوزيرة الزين، أوضحت فيها أن التحديات التي تواجه المنطقةمتشابهة وتشمل النزاعات والجفاف والتلوث والنزوح، مؤكدة أن هذا المنتدى يشكلتحولا نحوتصميم الحلول معا بدل مواجهة الأزمات بشكل منفرد. وبينت أنمواءمة تدفقات التمويل الوطنية والدولية وتخفيض المخاطر المرتبطة بالاستثماراتالقائمة على الطبيعة من شأنها أن تمكن من الانتقال من حالة الأزمة إلى مرحلةالتعافي وإعادة البناء.

كما تناولت الكلمات الافتتاحية مداخلات لسفراء كولومبيا والبرازيل في لبنان، اللذينشددا على الطابع الكوني للتنوع البيولوجي، مؤكدين التزام بلديهما بتعزيز التعاونجنوبجنوب في هذا المجال. بدوره، أكد محمود فتح الله، رئيس أمانة مجلس الوزراءالعرب المسؤولين عن شؤون البيئة، أن العمل العربي المشترك يجب أن يكون مرتكزاعلى العلم والتمويل المبتكر، مع إعطاء الأولوية لمواءمة اتفاقيات ريو وتعبئة المواردلمواجهة التدهور البيئي.

و القى الدكتور محمود فتح الله، مدير إدارة شؤون البيئة والأرصاد الجوية بجامعةالدول العربية، كلمة مهمة مؤكدا على أهمية التنوع البيولوجي كحجر زاوية لتحقيقالتنمية المستدامة في المنطقة العربية، خاصة في ظل التحديات المتعلقة بتغير المناخ،تدهور الأراضي، وشح المياه، وارتباط ذلك بالأمن الغذائي.

واختتمت الجلسة بتقديم سارة دانيال، مساعدة الشؤون الاقتصادية في الإسكوا،عرضا حول المنصة متعددة الشركاء لحماية التنوع البيولوجي، أوضحت فيه أن هذهالمبادرة تستند إلى التعاون بين مؤسسات حكومية وإقليمية ودولية ومجتمع مدنيوقطاع خاص، بما يحول المنتدى من مجرد ورشة تقنية إلى خارطة طريق إقليميةمتكاملة.

وهكذا جاءت الجلسة الافتتاحية بمثابة إعلان واضح أن مستقبل المنطقة العربيةيتوقف على قدرتها على بناء شراكات تمويلية مبتكرة تعيد للتنوع البيولوجي مكانتهكقاعدة أساسية للصمود المناخي والتنمية المستدامة.

بعد الكلمات الافتتاحية، شرع المشاركون في نقاش موسع عكس عمق التحدياتالمطروحة. فقد تمت الإشارة إلى أن المنطقة العربية تعيش اليوم ضغوطا متزايدةبفعل التغيرات المناخية، من ارتفاع درجات الحرارة وتواتر موجات الجفاف، إلىتراجع الموارد المائية وتدهور الأراضي الزراعية. وأوضح المتدخلون أن هذه التحدياتالبيئية تؤثر بشكل مباشر على المجتمعات المحلية، حيث يتعرض المزارعون لفقدانأراضيهم، وتزداد المخاطر على سبل العيش التقليدية، وتتفاقم الهجرة القسرية، مايجعل من قضية التنوع البيولوجي مسألة إنسانية واجتماعية بالدرجة الأولى.

البعد الإعلامي والتواصلي كان حاضرا أيضا في النقاش، إذ اعتبر الخبراء أنتعزيز الوعي العام بقيمة التنوع البيولوجي يمثل مدخلا أساسيا لإنجاح أياستراتيجية. فبدون مشاركة المواطن وإحساسه بأن الحفاظ على البيئة يصب فيمصلحته المباشرة، تبقى الجهود ناقصة. من هنا جاء التأكيد على أهمية العمل معوسائل الإعلام، والاعتماد على الأدوات الرقمية، واستثمار قوة السرد القصصي فيتقريب المفاهيم البيئية إلى الناس.

الطابع التحليلي للمنتدى تجلى كذلك في النقاش حول موقع المنطقة العربية فيالسياق العالمي، حيث أشار المتدخلون إلى أن التحديات البيئية لا تعترف بالحدود،وأن غياب التنسيق الإقليمي يجعل من الصعب تحقيق إنجازات ملموسة. ودعاالمشاركون إلى اعتماد رؤية عربية مشتركة تعكس الأولويات الوطنية، وفي الوقت ذاتهتنسجم مع الالتزامات الدولية، بما يتيح تعزيز صوت المنطقة في المفاوضات العالمية.

بعد الكلمات الافتتاحية، شرع المشاركون في نقاش موسع عكس عمق التحدياتالمطروحة. فقد تمت الإشارة إلى أن المنطقة العربية تعيش اليوم ضغوطا متزايدةبفعل التغيرات المناخية، من ارتفاع درجات الحرارة وتواتر موجات الجفاف، إلىتراجع الموارد المائية وتدهور الأراضي الزراعية. وأوضح المتدخلون أن هذه التحدياتالبيئية تؤثر بشكل مباشر على المجتمعات المحلية، حيث يتعرض المزارعون لفقدانأراضيهم، وتزداد المخاطر على سبل العيش التقليدية، وتتفاقم الهجرة القسرية، مايجعل من قضية التنوع البيولوجي مسألة إنسانية واجتماعية بالدرجة الأولى.

وتوالت النقاشات تمحورت حول الانتقال من التعهدات النظرية إلى برامج عملية ذاتأثر مباشر. زياد خياط من الإسكوا شدد على أن المنطقة تحتاج إلى ربط الالتزاماتبخطط تنفيذية واضحة، فيما أوضحييبين شيانغمن أمانة اتفاقية التنوعالبيولوجي أن التمويل المبتكر وربط الموارد بالنتائج البيئية يشكلان مدخلا أساسيالدعم الدول النامية. وأكد محمود فتح الله أن التحديات في المنطقة متشابكة ومترابطةبين شح المياه وفقدان التنوع البيولوجي والتصحر، الأمر الذي يستدعي مبادراتإقليمية منسقة بدل المقاربات المجزأة.

وتحدث المشاركون خلال أشغال الملتقى أن القضايا البيئية لم تعد ملفات قطاعيةمحدودة، بل تحولت إلى رهانات سياسية واستراتيجية تمس الأمن الغذائي والمائيوالقدرة على الصمود. كما أكدوا أن الفجوة بين الطموحات والواقع تظل قائمة،خاصة في ما يتعلق بحشد الموارد والتمويل، وأن تجاوزها يقتضي اعتماد مقاربةشمولية تتجاوز الحلول الجزئية وتؤسس لرؤية متكاملة تدعم التكامل بين اتفاقياتريو وتمنح الأولوية لبناء تحالفات إقليمية قادرة على ترجمة الرسائل السياسية إلىمسارات عملية تخدم الإنسان والبيئة معا.

منصات الشراكة الإقليمية: من التنسيق إلى التنفيذ المشترك

و خلال الجلسات نقاشية الأخرى المختلفة من حيث زاوية المقاربة وفق محاورمنهجية ودقيقة بسط المتدخلون من خلالها مختلف الأفكار والتصورات والتشخيصات والتجارب في إيقاع علمي عالي ومن زوايا مختلفة، وتفاعل علميساهم في تنشيطه خبراء…( الإسكوا) وفعاليات متخصصة و مؤسسات قطاعيةمعنية و مجتمع مدني ومنظمة دولية و مؤسسات مانحة، واعلام..،  تفاعل أهل منالتقائية الأفكار و من استخلاص رؤى حددت معالم الطريق و رسمت الآفاق ووجهتالاختلالات و صقلت و وجهت المشاريع المعروضة كي تبدو مقنعة لمعايير التمويل منالجهات المانحة وكذا القطاع الخاص

من استعادة الغابات إلى بناء مجتمعات صامدة، الطبيعة تعود إلىالواجهة كحليف أول للصمود.

و تناول المشاركون من ضمن العروض المقدمة مجال الحلول المبنية على الطبيعةوالتنوع البيولوجي، إذ سعى المتدخلون إلى إبراز العلاقة الوثيقة بين التحديينالعالميين المزدوجين. التغير المناخي وفقدان التنوع البيولوجي. وقد أشير إلى أنالمنطقة العربية من بين أكثر الأقاليم هشاشة أمام هذه الظواهر، حيث تشهد معدلاتاحترار تفوق المتوسط العالمي، إلى جانب تسارع وتيرة تدهور النظم البيئية. وفيهذا السياق، طرحت الحلول المبنية على الطبيعة كخيار إستراتيجي يجمع بينالتخفيف والتكيف المناخي من جهة، وحماية واستعادة التنوع البيولوجي من جهةأخرى.

تم التأكيد على أن هذه الحلول، بما تحمله من مقومات طبيعية، تشمل الإدارةالمستدامة، الحماية، الترميم وإعادة التأهيل، ويمكن أن توفر إجابات ملموسةللتحديات الاجتماعية والبيئية. وقدمت أمثلة متعددة مثل استعادةالمانغروف،حماية الغابات، وإدماج الطبيعة في المدن عبر بنية تحتية خضراء، مما يعزز صمودالمجتمعات ومرونتها. كما أبرز أن الحلول المبنية على الطبيعة قادرة على الإسهام بمايقارب 37 غي المائة من جهود خفض الانبعاثات الكربونية المطلوبة بحلول 2030،فضلا عن دورها في تنظيم المياه، منع التعرية، وتوفير الأمن الغذائي.

لكن النقاش لم يخل من إبراز التحديات المؤسسية والفكرية. إذ لا يزال الغموضقائما حول تعريف موحد ومعايير دقيقة لما يمكن اعتباره حلا مبنيا على الطبيعة، إلىجانب غياب الأطر التشريعية اللازمة لإدماج هذه الحلول في السياسات الوطنية. كما برزت فجوة واضحة في التمويل، إذ إن الاحتياجات المقدرة حتى 2030 تبلغنحو 200 مليار دولار، فيما لم يتحقق حتى الآن سوى جزء ضئيل من هذا المبلغ.

تجارب عربية وإقليمية ملهمة من المغرب والإمارات والعراق واليمن

وعرضت الجلسات دروسا من تجارب إقليمية لافتة. فمشروع استعادةالمانغروففي الإمارات مثل نموذجا ناجحا للتنمية المستدامة، فيما أظهرت دراساتالإسكواأولويات للتدخل في مناطق حساسة من قبيل الغابات الجبلية في الأطلس بالمغرب،السواحل المتوسطية في الجزائر ولبنان، السهول الجنوبية في العراق لمكافحةالعواصف الرملية، والغابات العمانية واليمنية. هذه التجارب أبرزت إمكانية توظيفالمعرفة التقليدية إلى جانب البحث العلمي لتصميم حلول سياقية وفعالة.كما تناولتالنقاشات مسألة إدماج الحلول المبنية على الطبيعة في الاستراتيجيات الوطنية. فقدأشارت غالبية الدول العربية إليها في مساهماتها المحددة وطنيا (NDCs)، لكنبمستويات متفاوتة، إذ ركز بعضها على التكيف مثل لبنان، فيما دمجت دول أخرىمثل الإمارات والأردن بين التخفيف والتكيف.

وقدم المشاركون توصيات أساسية، أبرزها تكامل السياسات الوطنية بدل إعدادهافي عزلة، الانتقال من الأهداف العامة إلى خطط عملية محددة بميزانيات وجداولزمنية، و تطوير آليات تمويل مبتكرة، مع تعزيز البحث والمعرفة العلمية، وأخيرا ضمانإشراك المجتمعات المحلية والاستفادة من معارفها التقليدية في تعزيز صمود النظمالبيئية.

تمويل غير كاف، معايير غير موحدة، ونقص في البياناتأبرزالعراقيل أمام تحول بيئي فعال.

و ناقش المشاركون في الجلسات عدة محاور تتعلق بالتمويل المستدام للمناطقالجافة والحلول المبنية على الطبيعة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. تمالتركيز على طبيعة هذه البيئات الفريدة وضرورة تطوير آليات تمويلية ملائمة، إذ أنبعض النماذج المستخدمة في الغابات المطيرة، مثل (REDD Plus)، قد لا تكونمناسبة للنظم البيئية ذات النمو البطيء والكتلة الحيوية المحدودة. وأكد المتحدثون أنهناك تقريرا قيد الإعداد مع إحدى وكالات الأمم المتحدة حول الحلول المبنية علىالطبيعة في المنطقة، ويتوقع إطلاقه خلال مؤتمر COP 30، بما يوفر فرصة للتعرفعلى أفضل الممارسات والتجارب.

كما تطرقت الجلسة إلى جهود البنوك التنموية متعددة الأطراف لتطوير منهجيةتمويل طبيعية، بما يشمل فهم الفروق بين التمويل الإيجابي للطبيعة وبين إدماجالطبيعة في السياسات العامة. وبين المتحدثون أن البنوك تعمل على توجيه التمويللدعم أهداف التنمية المستدامة، مع الالتزام باتفاق باريس، حيث تم تخصيص نسبكبيرة من التمويل للتكيف مع المناخ مقارنة بخفض الانبعاثات، بما يسهم بشكلمباشر أو غير مباشر في دعم الطبيعة. وقدمت أمثلة عملية تشمل نشر أنظمة الطاقةالمتجددة لتقليل الاعتماد على الوقود الحيوي، ومشاريع لرصد خصوبة التربة لتحديدالأراضي الملائمة للزراعة أو إعادة التشجير.

وأشار المشاركون إلى حجم التمويل الدولي الكبير المخصص لقضايا المناخ والبيئة،حيث بلغ 137 مليار دولار في أحدث التقارير، مع تخصيص جزء لدعم أهدافمكافحة التصحر والجفاف، كما تم استعراض مبادرات تمويل مبتكرة مثل الصكوكالخضراء والصكوك المستدامة الإسلامية، إلى جانب برامج مقترحة بالتعاون معالصندوق الأخضر للمناخ لتعزيز مقاومة الجفاف.

ولفتت الجلسة الانتباه إلى الدور الريادي الذي تقوم به بعض دول المنطقة، مثل مصروالإمارات والسعودية، في استضافة مؤتمرات المناخ والمبادرات البيئية الكبرى، بمافيها مبادرة الري للمناظر الطبيعية ومشروع شراكة الجفاف العالمي، الذي يهدفلدعم أكثر من 75 دولة معرضة للجفاف. كما شدد المشاركون على ضرورة تعزيزالتكامل بين الاتفاقيات الثلاث لريو، أي التنوع البيولوجي، المناخ والتصحر، لتحقيقنتائج مستدامة.

المجتمعات في قلب الحلول: إشراك المحليين من أجل بيئة مستدامة

و تدارس المشاركون كذلك أهمية إشراك الشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية فيمبادرات التمويل المشترك للحلول المبنية على الطبيعة، مستشهدين بصندوق كولومبياكأداة تمويلية كبيرة يمكن أن تدعم مشاريع متعددة الأطراف في المنطقة، مع التأكيدعلى شمولية السياسات والمشاريع لتشمل جميع الفئات المجتمعية والمعرفة الرقميةالناتجة عن الأنظمة البيئية العربية. وقد أجاب المتحدثون على استفسارات منممثلين عن سوريا وتونس حول أولوية البرامج الوطنية ومعايير التنفيذ، مؤكدين أنالمعايير والمؤشرات العلمية موجودة منذ سنوات، وأن التحدي الآن يكمن في تطبيقهذه المعايير على أرض الواقع لضمان التحول الفعلي واستدامة النتائج.

و أكدت الجلسات على أهمية الاستفادة من المبادرات الإقليمية الكبرى، مثل مبادرةالشرق الأوسط الخضيراء، لتوفير تمويل داعم لمشاريع الاستعادة، مع التشجيععلى تواصل الدول غير المشاركة للحصول على الدعم والفرص المتاحة، مؤكدة أنالتعاون متعدد الأطراف والتمويل المبتكر هو مفتاح نجاح الاستراتيجيات البيئية فيالمنطقة.

دعوات لتوحيد تقارير المناخ والتنوع والتصحر ضمن إطار قانونيومؤسساتي منسق

و شهدت جلسات اخرى نقاشا معمقا حول سبل تفعيل الآليات القانونيةوالمؤسساتية لتعزيز التنسيق بين الاتفاقيات الثلاثة المعنية بالمناخ والتنوع البيولوجيومكافحة التصحر. وأكد المتدخلون أن الإطار القانوني للتعاون موجود بالفعل داخلنصوص الاتفاقيات والبرتوكولات المرتبطة بها، غير أن التحدي الأساسي يكمن فيتفعيل هذا الإطار عبر ترتيبات مؤسساتية واضحة.

وفي هذا السياق، تمت الإشارة إلى المجموعة المشتركة للتنسيق التي أنشئت سنة2001 بين الاتفاقيات الثلاث، لكنها ما تزال تعاني من الطابع غير الرسمي وضعفالموارد، مما حد من قدرتها على دفع أجندةالتآزر إلى الأمام. وقد أبرزتالمداخلات أن العديد من المواد القانونية في اتفاقية التنوع البيولوجي، واتفاقيةمكافحة التصحر، واتفاقية باريس للمناخ، تنص صراحة على ضرورة التنسيقوالتعاون، بل وتلزم الأطراف بإيجاد صيغ عمل مشتركة.

وفي مداخلة أخرى، أوضح ممثل مرفق البيئة العالمي (GEF) أن آلية التمويل هذهصارت جزءا من استراتيجية الصندوق، حيث يتيح للدول النامية الاستفادة من مواردموجهة لبرامج متكاملة تعالج في آن واحد التزامات الاتفاقيات الثلاث. وبين أنالمرفق، الذي يضم 186 دولة و18 وكالة منفذة، يعتمد على دور نقاط الاتصالالوطنية في تحديد المشاريع المؤهلة، مع توفير حوافز إضافية للدول التي تختارالمشاركة في برامج متكاملة تستهدف النظم البيئية والزراعية والحضرية.

وبهذا، أكد النقاش إلى أن اللحظة مواتية لتفعيل مسار التآزر بين الاتفاقيات الدوليةالثلاث، عبر استثمار الآليات القانونية القائمة، وتطوير ترتيبات مؤسساتية عملية،وضمان حشد التمويل المتكامل، بما يعزز حماية المناخ والتنوع البيولوجي والأراضيفي آن واحد.

البنك الدولي وإيفاديعرضان تجارب في التمويل الأخضر وتعزيزفرص العمل المستدام.

شهدت إحدى جلسات المنتدى مناقشات معمقة حول أهمية الاستثمار في الطبيعةواعتماد مقاربات شمولية في إدارة الموارد، حيث سلط ممثلو مؤسسات مالية وتنمويةدولية الضوء على تجاربهم في دعم النظم البيئية ومواجهة التحديات المناخية.

أكدت ممثلة البنك الدولي أن الاستثمار في الطبيعة ليس ترفا بيئيا بل ضرورةتنموية تخلق فرص عمل، وتعزز الأمن الغذائي، وتقلل من التلوث، وتزيد من قدرةالمجتمعات على الصمود أمام تغير المناخ. وأوضحت أن البنك يدير محفظة متنوعةمن المشاريع في مجالات الغابات، النظم البيئية البحرية، والإدارة المستدامة للمواردالطبيعية، إلى جانب برامج لإعادة التشجير ومكافحة الحرائق. وأضافت أن البنكأطلق دراسات خاصة بالمنطقة العربية لتعزيز فرص خلق وظائف خضراء وتحفيزالاستثمار في مشاريع تعزز التنوع البيولوجي.

من جانبه شدد أحد الخبراء الأكاديميين على أهمية المنهجية النظامية (SystemicApproach) في إدارة قضايا الأراضي والتنوع البيولوجي والمياه والطاقةوالصناعة، مبرزا أن الاقتصار على استراتيجيات قطاعية منفصلة لا يحقق الفعاليةالمطلوبة. وأشار إلى أن تطبيق مقاربة شمولية متكاملة في الحوكمة يمكن أن يسهمفي تفادي الأزمات، مستشهدا بحالة إحدى الأراضي الرطبة في لبنان التيتعرضت للجفاف والاستنزاف بسبب غياب إدارة مندمجة تجمع بين الأبعاد الزراعيةوالبيئية والاجتماعية.

كما استعرض متدخل آخر تجربة ناجحة في المغرب، حيث تمت زراعة 10 آلافهكتار من شجر أركان بأصناف جديدة مقاومة للجفاف، بدعم من البحث العلميوبالتعاون مع التعاونيات المحلية. وأكد أن هذه المبادرات ساهمت في التخفيف منالضغط على الغابات والأوساط الطبيعية، داعيا إلى تعميم مثل هذه النماذج المبنيةعلى مشاركة المجتمعات المحلية.

واستعرض مشروعاستعادة أركان بالطاقة الشمسيةكمبادرة مغربية رائدة تهدفإلى تمكين النساء في إقليم الصويرة من مواجهة آثار التغير المناخي. وقد تمتأسيس تعاونية نسائية تعمل على إنتاج زيت أركان ومشتقاته، إلى جانب زراعةالنباتات العطرية والطبية. وضمن المشروع، تم تجهيز التعاونية بخزان أرضيلتجميع مياه الأمطار، وحفر بئر مجهز بمضخة تشتغل بالطاقة الشمسية، مما مكنسكان القرية من الحصول على الكهرباء. كما استفادت مدرسة القرية من ألواحشمسية لتوفير الطاقة النظيفة. ويساهم المشروع في تحقيق أهداف التنميةالمستدامة من خلال خلق فرص عمل، تقوية قدرات النساء، والحفاظ على التنوعالبيولوجي ومكافحة التصحر، خاصة في المناطق القروية التي تعاني من الجفافوالرعي الجائر.

وفي السياق ذاته، قدم ممثل الصندوق الدولي للتنمية الزراعية (إيفاد) رؤية شاملةلدعم صغار المزارعين في المنطقة العربية، مشيرا إلى أن نسبتهم تصل إلى 90 فيالمائة في بلدان مثل مصر واليمن، و70 في المائة في المغرب وتونس. وأوضح أنالصندوق يعمل على دمج قضايا التكيف مع المناخ، وحماية التنوع البيولوجي، فيالسياسات الوطنية وخطط الاستثمار الزراعي، مع تعزيز دور البلديات والجماعاتالمحلية.

واختتمت الجلسة بتأكيد المتدخلين على أن تعزيز النهج التكاملي بين السياساتالبيئية والزراعية والاقتصادية، وتوسيع نطاق التمويلات الخضراء، يمثلان شرطاأساسيا لتحقيق أهداف التنمية المستدامة في المنطقة، وتقليص الفجوة بين الخططالنظرية والتطبيق على أرض الواقع.

ونظمت ورشات موضوعاتية تم خلالها مناقشة المشاريع المزمع تقديمها للمنظماتالدولية وفق المعايير المطلوبة للحصول على التمويل. كما تبادل المشاركون من مختلفالدول تجاربهم ومشاريعهم بهدف صقلها وتجهيزها بأفضل الصيغ لتكون أكثرفعالية وجودة في التنفيذ. وتقدمت جمعية أصدقاء النخلة المغربية في مرافقة وازنةبمشروع يرمي الى المساهمة في تهيء بحيرة اريقي  واحداث محمية لحماية الغزالالبربري المهدد  بالانقراض باقليم طاطا  الجنوب الشرقي المغربي.

من بيروت إلى COP 30: العرب يبلورون رؤية بيئية موحدة

بختام أعمال هذا المنتدى العربي الهام، اتضح أن اللقاء نجح في تجسيد رؤية عربيةمتكاملة لمواجهة التحديات البيئية المشتركة، فقد مثلت المنصة إطارا فاعلا للتواصلبين الخبراء وصناع القرار وممثلي المجتمع المدني، حيث تم طرح رؤى عملية حولتعزيز التمويل المستدام للتنوع البيولوجي وربطه بجهود الصمود المناخي، وخرجالمشاركون بتوصيات تؤكد على ضرورة تعزيز التكامل بين الاتفاقيات البيئية الدوليةوتبني آليات تمويل مبتكرة وإشراك المجتمعات المحلية في صياغة الحلول، كما تمإبراز الحاجة إلى تطوير استراتيجيات عربية موحدة تعزز التعاون الإقليميوتستثمر الخبرات المحلية في مجالات استعادة النظم الإيكولوجية وحماية التنوعالبيولوجي.

حوار مع الخبير المغربي الدكتور حمو العمراني. صورة رفعته

رغم انشغاله بإدارة أشغال الملتقى وتوجيه النقاشات بدقة وحرص، اقتنصنا خلال استراحة قصيرة لحظة هادئة مع الدكتور حمو العمراني، مسؤول الشؤون الاقتصادية لسياسات البيئة والغذاء بلجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (ESCWA) في تلك اللحظة، فتح قلبه وفكره بلغة امتزج فيها العمق الفلسفي بالوضوح الاستراتيجي، لتضيء معالم طريق نحو مستقبل بيئي عربي يحتاج إلى إعادة تأسيس.

من كلماته يتضح جليا أن البيئة فضلا عن كونها ملف تقني أو قضية قطاعية، فهي سؤال فلسفي واستراتيجي عن معنى وجودنا وعلاقتنا بالأرض. إنها مرآة تضعنا أمام خيار مصيري: إما الاستمرار في نهج التجزئة والتبديد، أو بناء رؤية شمولية تجعل من الطبيعة حليفا استراتيجيا في مسار التنمية. وفي رؤيته، بدا أن الملتقى ليس مجرد محطة عابرة، بل تمرين على “إعادة تخيل” المستقبل العربي عبر بوابة البيئة. فكانت الدردشة التالية: محمد التفراوتي

سؤال 1: كيف يمكن تحسين أوجه التلاقي بين اتفاقيات ريو الثلاث (المناخ، التنوعالبيولوجي، مكافحة التصحر) لتحقيق نتائج ملموسة في المنطقة العربية؟

جواب: اتفاقيات ريو ليست مسارات منفصلة، بل شبكات متداخلة كأنسجة الجسدالواحد. فالتصحر ليس فقدانا للتربة فقط، بل انهيار للأساس الذي يحمي التنوعالبيولوجي ويمكن من التكيف مع المناخ. لذا لا ينبغي النظر إليها كصناديق مغلقة،بل كدوائر متقاطعة تشكل هوية تنموية جديدة للمنطقة. التحدي في العالم العربيليس غياب الرؤية، بل تشتتها؛ حيث نجد سياسات مناخية هنا، وبرامج مكافحةتصحر هناك، وخطط للتنوع البيولوجي في مكان آخر، من دون أن يجتمع الكل فينسيج واحد. المطلوب إدماج هذه المسارات في خطط وطنية شاملة تجعل أيمشروع، زراعيا كان أو طاقويا أو تنمويا، متعدد الوظائف. يحارب التصحر، يحميالتنوع، ويخفف من آثار المناخ. التكامل بين هذه الاتفاقيات ليس ترفا إداريا، بلشرطا للبقاء. من دونه سنظل نستهلك مواردنا في مسارات متوازية لا تلتقي، بينماالحاجة ملحة لجهد موحّد يترجم الاتفاقيات إلى سياسات متناسقة ونتائج ملموسةيشعر بها المواطن في حياته اليومية.

سؤال 2: ما أبرز التحديات التي تواجه المنطقة العربية في مجال تمويل التنوعالبيولوجي من أجل تعزيز الصمود المناخي، وما الحلول الممكنة؟

جواب: التمويل هو المرآة التي تكشف سلم الأولويات. وفي العالم العربي، غالبا مايوضع التنوع البيولوجي في ذيل الاهتمامات، كأنه ترف أو منظر جمالي، بينما هوفي الحقيقةالبنية التحتية للحياة“: التربة الخصبة، المياه النقية، والنظم البيئيةالصحية.

التحدي الأكبر يتمثل في محدودية الموارد المخصصة مقارنة بضخامة التحديات،نتيجة ضعف إدماج التنوع البيولوجي في استراتيجيات الاستثمار الكبرى. ما لمندرك أن كل دولار يستثمر في الغابات والواحات والسواحل هو استثمار في الأمنالغذائي والمائي والاجتماعي، سنظل ندور في حلقة مفرغة.

الحلول ممكنة، لكنها تتطلب جرأة. تطوير أدوات مبتكرة مثل السندات الخضراء أوالصكوك البيئية، وفتح الباب أمام القطاع الخاص كشريك استراتيجي، لا من بابالمسؤولية الاجتماعية فقط، بل باعتبار البيئة مصدرا لقيمة اقتصادية جديدة. كما أنبناء شراكات إقليمية ودولية يظل ضروريا، فالتحديات البيئية عابرة للحدود ولا يمكنمواجهتها منفردة.

سؤال 3: ما أهمية الحلول المبنية على الطبيعة والطاقة المتجددة في حماية التنوعالبيولوجي بالمنطقة العربية؟

جواب: الحلول المبنية على الطبيعة هي عودة حكيمة إلى منطق الأرض. فهي تستندإلى قدرة النظم البيئية على الإصلاح الذاتي بدل الغرق في هندسات معقدة قد تولدمشكلات جديدة. فعندما نستعيد نظاما واحاتيا أو نؤهل منطقة رطبة، فإننا لا نحميالبيئة فقط، بل نبني حصونا طبيعية ضد التصحر والجفاف والفيضانات، ونستثمرفيرأسمال طبيعييؤمّن الغذاء والماء والهواء.

أما الطاقة المتجددة، فهي رافعة لتحول حضاري، لكنها ليست صديقة للبيئة تلقائيا. إذا أقمنا حقول ألواح شمسية على حساب موائل حساسة أو ممرات للطيور، نكونقد حللنا مشكلة وخلقنا أخرى. المطلوب إذن تصميم مشاريع تحترم التوازن البيئيوتتكامل مع النظم الطبيعية. في جوهرها، هذه الحلول تعني الانتقال من حضارةالاستنزاف إلى حضارة التوازن، من منطق الهيمنة على الطبيعة إلى منطق الشراكةمعها. وهي فرصة للمنطقة العربية لتكون جسرا بين الحكمة التقليدية والابتكارالحديث، بين استدامة الماضي وإبداع المستقبل.


شاهد أيضا
تعليقات
تعليقات الزوار
Loading...