Afterheaderads-desktop

Afterheaderads-desktop

Afterheader-mobile

Afterheader-mobile

مقتل أستاذة على يد طالب بمدينة أرفود يسائلنا جميعا

لا يكاد يمر أسبوع أو بضعة أيام حتى نسمع أو نشاهد أحداثا أليمة من مشاهد العنف المتكررة التي لم تعد محصورة بين تلميذ وزميل له أو بين مجموعة مراهقين، بل انتقل العنف لينهش ما تبقى من كرامة الأستاذ وأطر منظومة التربية والتعليم ككل إلى حد القتل وهو ما وقعت ضحيته الراحلة الأستاذة هاجر التي كانت تعمل قيد حياتها بمعهد التكوين المهني بمدينة أرفود في وضع تقشعر له الأبدان وتحزن له النفوس على يد طالب متدرب أنهى حياتها وهي في ريعان شبابها، مشهد يسائلنا جميعا كأسر كفاعلين تربويين وإعلام ومجتمع مدني.

في كتابه سيكولوجية العنف يرى الباحث والمتخصص في علوم التربية أحمد أوزي أن هناك مقاربتين لتحليل ظاهرة العنف المدرسي، فالأولى ينطلق تحليلها من أفراد المجتمع وعلاقتهم بمحيطهم الاجتماعي والأسري وكذا ظروف حياتهم وعيشهم الاقتصادي، بينما تركز المقاربة الثانية على المؤسسة المدرسية ذاتها، إذ يرى أوزي أنه لا ينبغي الفصل بين المقاربتين أو الانحياز لمقاربة دون أخرى بل وجب الجمع بينهما لنحصل على نظرة شمولية نحاول عبرها فهم العوامل والأسباب الكامنة.

إن تنامي ظاهرة العنف خصوصا العنف المادي بالوسط المدرسي يعد مؤشرا بارزا يدق ناقوس الخطر وينم على خلل اجتماعي بنيوي يسائل أدوار العديد من المؤسسات الاجتماعية بما فيها الأسرة والمدرسة والإعلام، فالمدرسة هي امتداد للمجتمع وصورة مصغرة له ومرآة عاكسة لتغيراته وتحولاته الاجتماعية والاقتصادية.

لم نعد اليوم أمام حالات معزولة محسوبة على رؤوس الأصابع من مشاهد العنف بل شبه ” تطبيع “مع العنف بمختلف أشكاله وبصور متكررة سواء تجاه أطر التدريس أو أطر الإدارة التربوية بمنظومة حيوية ذات خصوصيات تمثل قطب رحى الأمة وتقوم على تكوين آلاف الخريجين سنويا حتى يصيروا بمناصب المسؤولية.

في نفس السياق يطرح المهتمون بالشأن التربوي والمجتمعي السؤال المركزي البارز، ما المسؤول بحق على هذا الوضع المقلق الذي وصل إلى درجة أن يصبح الفرد عدوانيا و ” مجرما ” يمارس العنف بهاته الفظاعة على معلمه؟ مع العلم لطالما اعتبر هذا الأخير القدوة والنموذج الحسن من داخل المجتمعات قاطبة.

لا يختلف اثنان في اعتبار مؤسسة الأسرة المسؤول الأول عن تربية وضبط النشء، ولعل معظمنا اليوم يتفق بشكل أو بآخر أنها أضحت “إطارا “هشا مغلوبا على أمره تمارس وظيفة الإنجاب و تهمش الجانب الأخلاقي والقيمي والعاطفي كما أن معظم هؤلاء المراهقين يعيشون أوضاع الاستبعاد الاجتماعي من طرف أسرهم ومجتمعهم أو يعيشون إخفاقا مدرسيا أو عاطفياً بسبب انقطاع علاقة عاطفية يبنون عليها تخيلاتهم و أوهامهم ، وهو ما يراكم في تركيبتهم النفسية والاجتماعية العنف بدء من مرحلة الطفولة وانتهاء بمرحلة الشباب ، يعتبر الباحث أحمد أوزي أن معظم المراهقين اليوم يعانون من مشكل النقص المرجعي الذي يمكن أن يتخذوه قدوة للاحتذاء به ، حيث أن البنية الأسرية مفتقدة ، أو متصدعة أو تعيش صعوبات ، وبالتالي يصبح المراهق أمام افتقاد النموذج- القدوة .

من زاوية أخرى فإن تنامي العنف تتحمل فيه وسائل الإعلام مسؤولية كبيرة، ويرجح ذلك للتأثير المباشر على سلوكيات الأطفال والمراهقين في استبطان مشاهد العنف بشتى أنواعه، عبر مضامين المحتويات الرقمية التي “تغتال” يوما بعد آخر الصورة المعنوية للمدرس كالتهكم ومحاولة استصغاره وهو ما يرسخ في وعي ولاوعي الجماهير تمثلات جديدة تعيد تركيب العلاقة بصورة سيئة بين الأستاذ والتلميذ عوض الاحترام المتبادل.

إن العنف بشكل عام يهدد أمن المجتمع ويكلف الدول أغلفة مالية باهظة، ويعرقل مسار التنمية، فعوض أن تركز جهود سياساتها العمومية نحو تحقيق الرفاه ومواكبة التحديات العالمية، تبقى حبيسة قضية واحدة تقوض جهودها نحو الخلف.

من الواجب علينا اليوم أن نقف بمسؤوليته وبحزم وأن نعيد ترتيب هاته الفوضى التي تنذر بمستقبل مقلق  وآن الآوان على الوزارة المعنية إعادة النظر في بعض المذكرات التأديبية كالبستنة والعمل على تحصين الأساتذة وجميع الفاعلين التربويين بترسانة قانونية تحميهم من الاعتداءات المتكررة وكذا البرامج البيداغوجية الصماء ، كما على الأسرة اليوم أن تتحمل مسؤوليتها في تربية أبنائها ، وعلى الدولة الضرب بيد من حديد تجاه من يروج لخطاب العنف والقدوة السيئة من داخل المحتويات الرقمية، وعلى الإعلام الرسمي خلق برامج تربوية هادفة تحترم ذكاء الجميع ، ومن واجب الدولة تنزيل مشاريع آليات الوساطة الاجتماعية والمواكبة النفسية بشكل جدي غير محتشم وتعزيز الترسانة القانونية لأدوار المختصين الاجتماعيين والنفسيين بمختلف القطاعات عبر تنسيق محكم بين مختلف الفاعلين من سلطات محلية وجماعات ترابية ومصالح أمنية وطبية ، وعلى المجتمع المدني والأحزاب والنقابات المساهمة بشكل فعال على تأطير أفراد المجتمع بشكل مسؤول وبدون مزايدات خرقاء


شاهد أيضا
تعليقات
تعليقات الزوار
Loading...