Afterheaderads-desktop

Afterheaderads-desktop

Afterheader-mobile

Afterheader-mobile

عندما كان للسياسة وجه: الحسين الوردي رمزا للنزاهة والإصلاح في زمن الفساد الصحي

في زمن تتقافز فيه أزمات القطاع الصحي كعقد متشابك، حيث الوعد بالإصلاح سرعان ما يتلاشى مع أولى العقبات، ينبثق اسم الدكتور الحسين الوردي كنقطة ضوء ونموذج نادر لرجل دولة يحمل إرثا من النزاهة والجرأة. لم يكن الوردي وزيرا مكلفا بأداء دور الشكل الخارجي، بل كان عاصفة غير متوقعة هزت أركان لوبيات احتكار دواء وصحة المغاربة، مؤمنا أن صحة المواطن هي حق مقدس لا يمكن المساومة عليه.

لقد واجه بطل هذه القصة – كما وصفه التاريخ الحديث – وحشا ذا رؤوس متعددة، حيث كانت المصالح المترابطة صعبة القطع، لكنه انتصر في معركة “السوفالدي” التي عرفت بتكسير احتكار الدواء وفتح الباب لصناعة وطنية متطورة. هنا، يذكرنا فولتير بقوله: «القوة الحقيقية لا تكمن في امتلاك السلطة، بل في استخدام السلطة من أجل صحة وكرامة الإنسان».

الوزير الوردي لم يكن من أولئك الذين يختبئون خلف البروتوكولات، بل كان «الوزير المواطن» يتجول متنكرا ليشاهد المآسي الحقيقية، ليشهد طوابير الانتظار ويوجه إصبع اللوم على البيروقراطية الخانقة، تماما كما يؤكد ابن خلدون أن «الحكم والعمل لا يمكن أن يكونا سوى خدمة للناس لا استغلالًا لهم».

لكن ثمن هذا العناد للنزاهة كان غاليا، فقد دفع الوردي الثمن من تهديدات وأوقات عصيبة، وكان للملك محمد السادس دور كبير بدعمه أمنيا ومعنويا، ما وضح أن معركة الإصلاح لم تكن فقط معركة وزير، بل معركة الوطن بأسره.

إن قراءة هذه التجربة تكشف لنا حقيقة جوهرية: السياسة ليست مجرد تسابق على المناصب أو بروتوكولات مزيفة، بل هي ساحة معركة أخلاقية تتطلب شجاعة الالتزام. يقول نيتشه: «من يمتلك لماذا أن يعيش يستطيع تحمل أي كيف»، والوردي كان يمتلك هذا “لماذا” بكل قوة.

اليوم، مع تزايد الإحباط من وضع الصحة، يطالب كثيرون بعودة هذا النموذج، ليس دعوة إلى الحنين الماضي، بل نداء للحاضر والمستقبل، لتفعيل قيم النزاهة والشجاعة التي توحد السياسة والعمل في خدمة الإنسان والوطن.

فهل باتت السياسة المغربية مستعدة لاسترجاع وجوه كهذه تحمل مشعل الإصلاح، أم أن زمن القفز على المصلحة العامة لا يزال سيد المشهد؟


شاهد أيضا
تعليقات
تعليقات الزوار
Loading...