Afterheaderads-desktop

Afterheaderads-desktop

Afterheader-mobile

Afterheader-mobile

تحالف الأغلبية أمام اختبار التماسك/بين تحديات التنسيق الحكومي وإغراءات التنافس الانتخابي المبكر..بقلم/ ميمونة داهي

يمثل الاجتماع الطارئ الذي دعا إليه عزيز أخنوش مع قادة الأغلبية الحكومية، وعلى رأسهم فاطمة الزهراء المنصوري ونزار بركة، لحظة مفصلية تسلط الضوء على تحديات حقيقية تهدد تماسك التحالف الحكومي. هذه الخطوة لم تأتِ كرد فعل على خلافات بسيطة بقدر ما تعكس أزمة بنيوية تعصف بالائتلاف، حيث لم تعد الخلافات مجرد مناوشات سياسية وإنما تحولت إلى صراع مفتوح يعيق الأداء التنفيذي ويهدد الاستقرار السياسي في مرحلة دقيقة من عمر الحكومة.

هذه الأزمة ليست وليدة اللحظة بل تراكمت نتيجة غياب رؤية استراتيجية مشتركة وضعف التنسيق بين مكونات الأغلبية. فالتحالف الحالي لم يتأسس على توافق سياسي متين بقدر ما كان ثمرة تحالف تقني فرضته موازين القوى الانتخابية. وعليه، ما نشهده اليوم هو تفجر لمشاكل هيكلية ظلت كامنة منذ تشكيل الحكومة، أبرزها التنافس المحموم بين الأحزاب الثلاثة على قيادة المشهد السياسي، إلى درجة أن بعض القيادات بدأت مبكراً الترويج لأحقيتها في قيادة الحكومة المقبلة، رغم أن الانتخابات لا تزال على بعد أكثر من سنة ونصف.

هذا السباق السياسي المبكر يعكس غياب الانضباط السياسي داخل التحالف. فبدلاً من تركيز الجهود على تنفيذ الإصلاحات الكبرى، انشغلت مكونات الأغلبية بتوجيه الانتقادات لبعضها البعض، سواء داخل البرلمان أو عبر وسائل الإعلام. الانتقادات التي وجهها محمد أوجار، القيادي في التجمع الوطني للأحرار، لفاطمة الزهراء المنصوري بشأن تدبير قطاع الإسكان ليست مجرد حادثة معزولة، بل تعبر عن حالة استياء أوسع داخل التجمع الوطني للأحرار من أداء بعض الوزراء المنتمين إلى الأحزاب الحليفة.

في المقابل، لم يتأخر حزب الأصالة والمعاصرة في الرد، حيث اعتبر قادته أن تصريحات أوجار تحمل هجوماً ضمنياً على المنصوري وتعد تدخلاً غير مقبول في تقييم عملها الوزاري. هذا التصعيد يهدد بزعزعة الثقة بين مكونات الأغلبية، خصوصاً في ظل تراكم الاتهامات بين الحزبين بشأن أداء الوزراء داخل البرلمان وتنافسهم على إثبات الأفضلية في إدارة القطاعات الحكومية.

تقنياً، هذه الأزمة تكشف عن قصور خطير في آليات التنسيق الحكومي. رغم الصلاحيات الدستورية التي يتمتع بها رئيس الحكومة لضمان انسجام العمل الحكومي، إلا أن غياب أدوات فعالة لتنسيق القرارات والسياسات القطاعية بين الوزراء أدى إلى تضارب في القرارات وتداخل في الصلاحيات، ما يعرقل تنفيذ المشاريع الكبرى. هذا الوضع يزيد من تعقيد مهمة الحكومة في تحقيق الأهداف التنموية المعلنة، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه البلاد.

السباق الانتخابي المبكر له تداعيات خطيرة على الأداء الحكومي. فعندما ينشغل الوزراء والقادة الحزبيون بالترويج لأنفسهم على حساب العمل التنفيذي، تفقد الحكومة قدرتها على التركيز وتصبح أسيرة حسابات سياسية ضيقة. هذا السيناريو يهدد بتحويل الحكومة إلى ساحة صراع بين مكونات التحالف بدل أن تكون منصة لتنفيذ السياسات العمومية.

على المدى القصير، نجاح الحكومة في تجاوز هذه الأزمة يقتضي من عزيز أخنوش اتخاذ خطوات حاسمة لإعادة ضبط إيقاع العمل الحكومي. يتطلب ذلك تعزيز التنسيق بين الوزراء، وضع حد للتراشق الإعلامي بين الأحزاب الحليفة، وإعادة توجيه التركيز نحو تنفيذ البرامج التنموية الكبرى. أما على المدى الطويل، فإن هذه الأزمة تطرح تساؤلات جدية حول قدرة التحالفات السياسية التقنية على الصمود أمام التحديات الكبرى، وحاجة المشهد السياسي المغربي إلى تحالفات تستند إلى رؤية استراتيجية مشتركة بدل أن تكون مجرد تكتلات ظرفية.

في النهاية، التحالف الحكومي اليوم أمام اختبار مصيري. إما أن يتمكن من تجاوز خلافاته وتغليب المصلحة الوطنية على الطموحات الفردية، أو أنه سيواجه خطر الانهيار السياسي، مما قد يؤدي إلى إعادة رسم الخريطة السياسية قبل موعد الانتخابات المقبلة.


شاهد أيضا
تعليقات
تعليقات الزوار
Loading...